إبراهيم والعهد

لقد وردت سيرة إبراهيم عليه السلام في إنجيل برنابا وذكر عنه ما لم يذكره العهد القديم وطابق في بعض ما قاله القرآن الكريم أحيانا وخالفه في بعض ماقاله ، كما تكرر ذكر عهد الله لإبراهيم ونسله في إنجيل برنابا ، ما هو هذا العهد؟ ولمن هو ؟

      لم يهتم القرآن الكريم بالأنساب حتى أنه يصعب على الباحث  تحديد صلات القرابة بين الأنبياء ومكان وتوقيت نبوءتهم وأهتم بدلا من ذلك بعقيدة هؤلاء ودعوتهم لدين الله وأعمالهم وسلوكهم .

ذلك أن القرآن الكريم أكد فى أكثر من مجال أن القرابة لاتؤثر على قيمة الانسان عند الله بل ان القيمة  الحقيقية للانسان فى مدى تقواه ،يقول الله تعالى "ان أكرمكم عند الله أتقاكم " (سورة الحجرات : 13) ويقول رسول الله صلى الله  عليه وسلم "لا فضل لعربى على أعجمى الا بالتقوى"

ولنتعرف على نسب إبراهيم أولا فعلى ما ورد بالعهد القديم (الكتاب الذي يؤمن به اليهود والمسيحيون باعتباره قصص الأنبياء وما قالوه بدءا من موسى عليه السلام وحتى زكريا عليه السلام ) فانه من نسل سام ابن نوح  ولد شخص اسمه عابر وأن هذا الشخص هو  ابو كل بنى عابر "وولد لسام أيضا بنون وهو أبو جميع  بني عابر "(سفر التكوين 21:10 ) بما يوحى بأنه فى ذلك الوقت كانت هناك قبيلة باسم "بنى عابر " . ومن نسل عابر هذا يقطان وأبناء يقطان هذا هم الموداد و شالف  و حضرموت و يارح و هدورام و أوزال و دقلة ( دجلة ) و عوبال وأبيمال و شبا و اوفير و حويلة و يوباب ( تكوين 10 :  26 - 29  )  . ومن نسل الابن الآخر لعابر فالج ابراهيم عليه السلام وأخوه والد لوط عليه السلام فابراهيم عليه السلام هو ابن حفيد فالج وأنه ولد بعد ميلاد فالج بمئة وواحد وتسعون سنة (تكوين 16:11-27) ومن أسماء هذه العشائر سميت البلاد التى قطنوها . ومن الطبيعى أن عابر وأبناؤه يقطان وفالج كانوا يتكلمون بلغة واحدة وفترة قرنين من الزمان ليست كافية لأن تختلف لغتهم  على أنه يبدو أنه هناك تكونت لهجتين تختلفان عن بعضهما بعض الشئ ،ولعله نتج عن اختلافهما أن نطق بنو يقطان هذا اسم جدهم عرب بدلا من عابر كما ويبدو أنهم نطقوا اسم يقطان بقحطان  أو ربما يقظان .ومدلول كلمة عابر بالعبرية يعادل مدلول كلمة عرب بالعربية وهو الارتحال  والبداوة من السكن في الصحراء والظهور حيث لايسكنون مبانيا. فمن المؤكد أن قبيلتى حضرموت (وقد كانت هناك دولة عربية بذات الاسم في القرن الرابع عشر الهجري بهذا الاسم إلى أن تحولت إلى جزء من اليمن ) وشبا (سبأ ) من قبائل العرب.وكما يعرف الشئ بنقيضه فان عكس كلمة عرب عجم وعكس كلمة عبرى جويم  .والتشابه واضح بين كلمتى جويم وعجم   اذا ما لاحظنا نقل مواقع الحروف في اللغات خلال تطورها (من ذلك قول كلمة مسرح بدلا من كلمة مرسح  وكلمة يئس بدلا من كلمة أيس ) وتخفيف حرف العين في اللهجات العبرية .

 وفي المعجم الوجيز أن العرب المتعربة  هم بنو قحطان بن عابر والعرب المستعربة هم أولاد اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام . وفي المصباح المنير أن العرب العاربة هم الذين تكلموا  بلسان يعرب  بن قحطان والعرب المستعربة هم الذين تكلموا بلسان اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام . فاذا كان من المؤكد أن اسماعيل واسحاق عليهما السلام ولدي ابراهيم عليه السلام فكلاهما لابد وأن يكون من نفس الشعب الذي ينتمي اليه والدهما ابراهيم عليه السلام وينتج عن ذلك ما سبق وقلته من أن العرب هم أنفسهم العبريون وأن العرب يشملون كل القبائل التي عاشت في موقع شبه الجزيرة العربية الحالي  قبل هجرة ابراهيم عليه من دجلة (العراق) حيث كان يعيش والده الي موقع  الشام وشبه الجزيرة العربية  الحاليين ,  كما يشمل الشعب العربي كل نسل ابراهيم عليه السلام  ومنهم أولاد جاريته قطورة والتي منها أنجب ابراهيم عليه السلام زمران ويقشان ومدان ومديان (قوم شعيب عليه السلام ) ويشباق وشوحا  ( تكوين 25 : 1 - 4 ) . ومن نسل  ددان أشوريم  (أبو  الآشوريين ) والذين تحول اسم بلادهم فيما بعد الي سوريا .  ويذكر العهد القديم بوضوح أن ابراهيم عبراني (تكوين 14 : 13 ) وهو عربي أيضا.

ولا أريد من هذا اثبات أن العرب هم العبريون أو العكس ولكن لتبيان ما فى العرقيات من شكوك تكاد تؤدى بأصولها 0

  ويمكن القول أن المدة التي  تفصلنا  عن  ابراهيم  عليه السلام  لاتقل بحال  عن  عشرة آلاف   من السنين . حيث كان  معاصرا  لبدء  الزراعة  والرعي ،فإذا نحن تتبعنا مقالة من سبقوه من أنبياء لا نجد ذكرا لنسك الزكاة حيث بدأ ظهور الملكيات الخاصة في عصره مما استوجب فرض الزكاة .

وعلى ما يذكر إنجيل برنابا فإن إبراهيم (عليه السلام )بدأ في البحث عن إلهه وهو ابن سبع سنين فصل 26 :18 ـ 69 " فمتى كان أبوك أو أمك حجر عثرة لك في خدمة الله فانبذهم كأنهم أعداء  . ألم يقل الله للإبراهيم [ أخرج من بيت أبيك وأهلك وتعال أسكن في الأرض التي أعطيها لك ولنسلك ] .ولماذا قال الله ذلك ؟أليس لأن أبا إبراهيم كان صانع تماثيل يصنع ويعبد آلهة كاذبة ؟لذلك بلغ العداء بينهما حدا أراد معه الأب أن يحرق ابنه ... كان إبراهيم ابن سبع سنين لما ابتدأ يطلب الله .فقال يوما لأبيه [ يا أبتاه من صنع الإنسان ؟]. أجاب الوالد الغبي [ الإنسان .لأني أنا صنعتك وأبي صنعني ] . فأجاب إبراهيم [ يا أبي ليس الأمر كذلك .لأني سمعت شيخا ينتحب ويقول "يا إلهي لماذا لم تعطني أولادا "]. أجاب أبوه [حقا يا بني الله يساعد الإنسان ليصنع إنسانا ولكنه لا يضع يده فيه . فلا يلزم الإنسان إلا أن يتقدم ويضرع إلى إلهه ويقدم له حملانا وغنما يساعده إلهه ].أجاب إبراهيم [كم إلها هنالك يا أبي ؟].أجاب الشيخ [لا عدد لهم يا بني ]. فحينئذ أجاب إبراهيم [ماذا أفعل يا أبي إذا خدمت إلها وأراد بي الآخر شرا لأني لا أخدمه ؟ ومهما يكن من الأمر فإنه يحصل بينهما شقاق ويقع الخصام بين الآلهة .ولكن إذا قتل الإله الذي يريد بي شرا إلهي فماذا أفعل ؟ من المؤكد أنه يقتلني أنا أيضا ؟]. فأجاب الشيخ ضاحكا [ لا تخف يا بني لأنه لا يخاصم إله إلها . كلا فإن في الهيكل الكبير ألوفا من الآلهة مع الإله الكبير بعل . وقد بلغت الآن سبعين سنة من العمر ومع ذلك فإني لم أر قط إلها ضرب إلها آخر . ومن المؤكد أن الناس كلهم لا يعبدون إلها واحدا . بل يعبد واحد إلها وآخر آخر .]أجاب إبراهيم [ فإذا يوجد وفاق بينهم؟] أجاب أبوه [نعم يوجد ].فقال حينئذ إبراهيم [ يا أبي أي شيء تشبه الآلهة ؟ ] وأجاب الشيخ [ يا غبي إني كل يوم أصنع إلها وأبيعه لآخرين  لأشتري خبزا وأنت لا تعلم كيف تكون الآلهة !] . وكان في تلك الدقيقة يصنع تمثالا . فقال [هذا من خشب النخل وذاك من الزيتون وذلك التمثال الصغير من العاج . أنظر ما أجمله ألا يظهر كأنه حي . حقا لايعوزه إلا النفس ]. أجاب إبراهيم [ إذا يا أبي ليس للآلهة نفس فكيف يهبون الأنفاس ؟ ولما لم تكن لهم حياة فكيف يعطون إذا الحياة ؟ فمن المؤكد يا أبي أن هؤلاء ليسوا هم الله ]. فحنق الشيخ لهذا الكلام قائلا [ لو كنت بالغا من العمر ما تتمكن معه من الإدراك لشججت رأسك بهذه الفأس . ولكن اصمت إذ ليس لك إدراك .]أجاب إبراهيم [يا أبي إن كانت الآلهة تساعد على صنع الإنسان فكيف يتأتى للإنسان أن يصنع آلهة ؟وإذا كانت الآلهة مصنوعة من خشب فإن إحراق الخشب خطيئة كبرى .ولكن قل لي يا أبت كيف وأنت صنعت آلهة هذا عديدها لم تساعدك الآلهة لتصنع أولادا كثيرين فتصير أقوى رجل في العالم ؟]فحنق الأب لما سمع  ابنه يتكلم هكذا . فأكمل الابن قائلا [ يا أبت . هل وجد العالم حينا من الدهر بدون بشر ؟] أجاب الشيخ [نعم ولماذا؟] قال إبراهيم [ لأني أحب أن أعرف من صنع الإله الأول ] .فقال الشيخ [ انصرف الآن من بيتي ودعني أصنع هذا الإله سريعا ولا تكلمني كلاما .فمتى كنت جائعا فإنك تشتهي خبزا لا كلاما ]. فقال إبراهيم [ إنه لإله عظيم فإنك تقطعه كما تريد وهو لا يدافع عن نفسه!]فغضب الشيخ وقال [ العالم بأسره يقول أنه إله وأنت أيها الغلام الغبي تقول كلا . فو آلهتي لو كنت رجلا لقتلتك ]. ولما قال هذا ضرب إبراهيم ورفسه وطرده من البيت .

ولم يرد في العهد القديم ما يبين طرد أبو إبراهيم له .ولكنه ذكر أمر الله له "وقال الرب لإبرام انطلق من أرضك وعشيرتك وبيت أبيك إلى الأرض التي أريك ."(تكوين 12 :1 )،بل يذكر أن تارح (أبو إبراهيم في العهد القديم ) اصطحب إبراهيم إلى حاران (تكوين 11 :31 ).

بينما ورد في القرآن الكريم " واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا * إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا * يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا * يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن  عصيا * يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا *قال أ راغب أنت عن آلهتي  يا إبراهيم  لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا "( مريم :41 ـ 46).

وفي الفصل 27 :14 ـ 22 وفصل 28 يروي إنجيل برنابا ما حدث بينه وبين قومه وتحطيمه لأصنامهم   " لما بلغ إبراهيم اثنتي عشر سنة من العمر قال أبوه يوما ما [ غدا عيد كل الآلهة . فلذلك سنذهب إلى الهييكل الكبير ونحمل هدية لإلهي بعل العظيم . وأنت تنتخب لنفسك إلها .لأنك بلغت سنا يحق لك معه إتخاذ إله ]فأجاب إبراهيم بمكر [سمعا وطاعة يا أبي ]. فبكّرا في الصباح إلىالهيكل قبل كل أحد . ولكن إبراهيم كان يحمل تحت صدرته فأسا مستورة . فلما دخلا الهيكل وازداد الجمع خبّأ إبراهيم نفسه وراء صنم في ناحية مظلمة من الهيكل .فلما انصرف أبوه ظن أن إبراهيم سبقه إلى البيت ولذلك لم يمكث ليفتش عليه .ولما انصرف كل أحد من الهيكل أقفل الكهنة الهيكل وانصرفوا .فأخذ إبراهيم  إذ ذاك الفأس وقطع قوائم جميع الأصنام إلا الإله الكبير بعلا . فوضع الفأس عند قوائمه بين جذاذ التماثيل التي تساقطت قطعا لأنها كانت قديمة العهد ومؤلفة من أجزاء . ولما كان إبراهيم خارجا من الهيكل رآه جماعة من الناس فظنوا أنه دخل ليسرق شيئا من الهيكل فأمسكوه . ولما بلغوا به الهيكل ورأوا آلهتهم محطمة قطعا صرخوا منتحبين [ اسرعوا يا قوم ولنقتل الذي قتل آلهتنا ].فهرع إلى هناك نحو عشرة آلاف رجل مع الكهنة وسألوا إبراهيم عن السبب الذي لأجله حطّم آلهتهم .أجاب إبراهيم إنكم لأغبياء .أيقتل الإنسان الله .إن الذي قتلها إنما هو الإله الكبير.ألا ترون الفأس التي له عند قدميه .إنه لا يبتغي أندادا ].فوصل حينئذ أبو إبراهيم الذي ذكر أحاديث إبراهيم في آلهتهم .وعرف الفأس التي حطم بها إبراهيم الأصنام .فصرخ [ إنما قتل آلهتنا ابني الخائن هذا لأن هذه الفأس فأسي ]. وقص عليهم كل ما جرى بينه وبين ابنه . فجمع القوم مقدارا كبيرا  من الحطب . وربطوا يدي إبراهيم ورجليه . ووضعوه على الحطب ووضعوا نارا تحته .فإذا الله قد أمرالنار بواسطة ملاكه جبريل ألا تحرق عبده إبراهيم . فاضطرمت النار باحتدام وحرقت نحو ألفي رجل من الذين حكموا على إبراهيم بالموت . أما إبراهيم فقد وجد نفسه مطلق السراح إذ حمله ملاك الله إلى مقربة من بيت أبيه دون أن يرى من حمله .وهكذا نجا إبراهيم من الموت .

ويستطرد إنجيل برنابا في الفصل 29 ليستكمل ما حدث بعد ذلك فيقول " لما بلغ إبراهيم جوار بيت أبيه خاف أن يدخل البيت . فانتقل إلى بعد البيت وجلس تحت شجرة نخل حيث لبث منفردا . وقال [ لابد من وجود إله ذي حياة وقوة أكثر من الإنسان لأنه يصنع الإنسان.والإنسان بدون الله لا يقدر أن يصنع الإنسان ] .حينئذ التفت حوله وأجال نظره في النجوم والقمر والشمس فظن أنها هي الله .ولكن بعد التبصر في تغيراتها وحركاتها قال [ يجب ألا تطرأ على الله الحركة ولا تحجبه الغيوم وإلا فني الناس ].وبينما هو متحير سمع اسمه ينادى [يا إبراهيم ] .فلما التفت ولم ير أحدا في جهة قال [إني قد سمعت يا إبراهيم ]. ثم  سمع كذلك اسمه ينادى مرتين أخريين [يا إبراهيم ] . فأجاب [ من يناديني ؟] حينئذ سمع قائلا يقول [إنه أنا ملاك الله جبريل ]. فارتاع إبراهيم . ولكن الملاك سكّن روعه قائلا [ لا تخف يا إبراهيم لأنك خليل الله ، فإنك لما حطّمت آلهة الناس تحطيما اصطفاك إله الملائكة والأنبياء حتى إنك كتبت في سفر الحياة ] . حينئذ قال إبراهيم [ ماذا يجب أن أفعل لأعبد إله الملائكة والأنبياء الأطهار ؟]فأجاب الملاك [ إذهب إلى ذلك الينبوع واغتسل .لأن الله يريد أن يكلمك ] . فأجاب إبراهيم [ كيف ينبغي أن أغتسل ؟ ] فتبدّى له حينئذ الملاك يافعا جميلا واغتسل من الينبوع قائلا [ افعل كذلك بنفسك يا إبراهيم ] . فارتقى إبراهيم الجبل كما قال له الملاك .ولما جثا على ركبتيه قال لنفسه [ متىيا ترى يكلمني إله الملائكة ؟]  فسمع صوتا لطيفا يناديه [ يا إبراهيم ]. فأجاب إبراهيم [ من يناديني؟ ]فأجاب الصوت [أنا إلهك يا إبراهيم ] . أما إبراهيم فارتاع وعفّر بوجهه الأرض قائلا [ كيف يصغي عبدك إليك وهو تراب ورماد ؟] حينئذ قال الله [ لا تخف بل انهض لأني قد اصطفيتك عبدا لي وإني أريد أن أباركك وأجعلك شعبا عظيما .فاخرج إذا من بيت أبيك وأهلك وتعالى أسكن في الأرض التي أعطيكها أنت ونسلك .]فأجاب إبراهيم [ إني لفاعل كل ذلك يا رب ولكن أحرسني لكيلا يضرني إله آخر .] فتكلم الله قائلا [ أنا الله أحد .ولا إله غيري .أضرب وأشفي . أميت وأحيي . أنزل الجحيم وأخرج منه . ولا يقدر أحد أن ينقذ نفسه من يدي .] ثم أعطاه الله عهد الختان وهكذا عرف الله أبونا إبراهيم .

أي أن إنجيل برنابا يجعل عهد الختان سابقا لهجرة إبراهيم إلى الأرض المباركة .ويأتي ذكر الختان وأصله في الفصل 23 من إنجيل برنابا ومما جاء به "إلا أنه  لم يكن في زمن إبراهيم سوى النزر اليسير من المختونين على الأرض . لأن عبادة الأوثان تكاثرت على الأرض . وعليه فقد أخبر الله إبراهيم  بحقيقة الختان . وأثبت هذا العهد قائلا [النفس التي لاتختن جسدها إياها أبدد من بين شعبي إلى الأبد ]. فارتجف التلاميذ خوفا من كلمات يسوع لأنه تكلم باحتدام الروح . ثم قال يسوع [ دعوا الخوف للذي لم يقطع غرلته لأنه محروم من الفردوس ]"والإشارة إلى ما ورد في أشعيا52 :1 .

ويروي القرآن الكريم تأمل إبراهيم لملكوت الله في سورة الأنعام :75 ـ 81 " وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين * فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين *فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين *فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين * وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هداني ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون *وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون  أن إبراهيم عليه السلام قد إهتدى لله قبل أن يحاول قومه إحراقه ، بخلاف ما جاء به إنجيل برنابا .

وفي القرآن الكريم أيضا (الأنعام :51 ـ 71 ) "ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين * إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون * قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين * قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين *قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين * قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين * وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين * فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون * قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين * قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم * قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون * قالوا أ أنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم * قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون * فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون * ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون * قال أ فتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم * أف لكم ولما تعبدون من دون الله أ فلا تعقلون *قالوا حرّقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين *قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم *وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين * ونجّيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين "

 كما ورد في سورة الشعراء : 69 ـ 89 " واتل عليهم نبأ إبراهيم * إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون * قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين * قال هل يسمعوكم إذ تدعون * أو ينفعوكم أو يضرون * قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون * قال أ فرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين *الذي خلقني فهو يهدين * والذي يطعمني ويسقين * وإذا مرضت فهو يشفين * والذي يميتني ويحيين * والذي أطمع أن يغفر لي خطيئاتي يوم الدين * رب هب لي حكما والحقني بالصالحين * واجعل لي لسان صدق في الآخرين * واجعلني من ورثة جنة النعيم * واغفر لأبي إنه كان من الضالين * ولا تخزني يوم يبعثون *يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم ".كما ورد في سورة العنكبوت :16 ـ 18 "وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون * إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون * وإن تكذبوا فقد كذّب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين ". كذا جاء في سورة الصافات 83 ـ 99 "وإن من شيعته لإبراهيم * إذ جاء ربه بقلب سليم *إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون أإفكا دون الله تريدون * فما ظنكم برب العالمين *فنظر نظرة في النجوم * فقال إني سقيم * فتولوا عنه مدبرين * فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون * ما لكم لا تنطقون *فراغ عليهم ضربا باليمين * فأقبلوا إليه يزفون * قال أ تعبدون ما تنحتون * والله خلقكم وما تعملون * قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم *فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين * وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين ".

وقد ورد في العهد القديم قول الله لإبراهيم "انطلق من أرضك وعشيرتك وبيت أبيك إلى الأرض التي أريك .وأنا أجعلك أمة كبيرة وأباركك وأعظم اسمك وتكون بركة .وأبارك مباركيك وشاتمك ألعنه ويتبارك بك جميع عشائر الأرض "( تكوين 12 : 1 ـ3 ) وإن لم يرد فيه علة ذلك . بل وفي تكوين 11 :31  أن أبو إبراهيم صاحبه في هذه الهجرة !

كما يبرأ  إنجيل برنابا إبراهيم عليه السلام مما يتهمه به العهد القديم من كونه ديوثا قدّم زوجته سارة لفرعون مصر رغبة في المنفعة "قال لساراي امرأته .. فقولي إنك أختي حتى يحسن إلي بسببك وتحيا نفسي من أجلك..ومدحوها لدى فرعون فأخذت المرأة إلى بيته. فأحسن إلى أبرام (إبراهيم)بسببها فصار له غنم وبقر ..."(تكوين 12 :11 ـ 16 ) فيقول "فرعون أخذ زوجته " فلم يكن هو من أعطاها له .

وهناك إجماع على أن بكر إبراهيم  هو إسماعيل عليهما السلام ففي القرآن الكريم " ربي هب لي من الصالحين *فبشّرناه  بغلام حليم  *فلما بلغ معه السعي قال يا بني اني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا تري قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين  *فلما أسلما وتله للجبين *وناديناه أن يا ابراهيم * قد صدقت الرؤيا انا كذلك نجزي المحسنين * ان هذا لهو البلاء المبين * وفديناه بذبح عظيم *وتركنا عليه في الآخرين *سلام على ابراهيم *كذلك نجزي المحسنين * انه  من عبادنا المؤمنين *وبشـّرناه باسحاق نبيا من الصالحين * وباركنا عليه وعلى اسحاق " (سورة الصافات  : 100 ـ  113 ) والمراد بالغلام الحليم إسماعيل وكونه قد بلغ معه السعي يعني أنه كان في حوالي العاشرة من عمره وتشير الآيات أن الله جازى إبراهيم على أنه رضي بتقديم ابنه البكر الوحيد آنذاك للذبح وبدأ فعلا بالتنفيذ ،بأن حفظ عليه ابنه وفداه بذبح عظيم ،وجعله نبيا رسولا. وأمرنا بالدعاء لإبراهيم وكل متبعي دينه في كل صلاة (حيث أن المسلمين هم المرادون بقوله تعالى "الآخرين " وبشره بإسحاق عليه السلام كما بارك عليه فجعل إسماعيل نبيا رسولا ، وجعل من نسله النبي صلى الله عليه وسلم وبارك على إسحاق فجعل من نسله يعقوب ومن نسل الأخير يوسف(الوحيد من بني البشر نبي ابن نبي ابن نبي ابن نبي )عليهم جميعا السلام علاوة على أنبياء أخر . وأغلب مناسك الحج مأخوذة عن قصة إبراهيم عليه السلام.

وفي العهد القديم "وكان أبرام ابن ستة وثمانين سنة حين ولدت هاجر إسماعيل لأبرام"(تكوين 16 :16) بينما ولد إسحاق ولإبراهيم(عليهما السلام ) من العمر مائة سنة (تكوين 21 :5 )أي أنه يكبره بأربعة عشر عاما .أما إنجيل برنابا فيقول أنه يكبره بسبع سنوات (فصل 44 :11).

ذكرنا  أول عهد منحه الله لإبراهيم  وهو يأمره بترك بيت أبيه (تكوين 12 :1) ويأتي عهد آخر في سفر اللتكوين 15 :18 " في ذلك اليوم بتّ الرب مع إبراهيم عهدا قائلا لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات " وهذين العهدين تمّا قبل ميلاد إسحاق مما يعني أن المقصود بهما إسماعيل عليه السلام .

ويأتي  ذكر لعهد في سفر التكوين 17 :1 ـ 21 " لما كان ابرام ابن تسع وتسعين سنة .. وقال له أنا الله  القدير اسلك أمامي  وكن كاملا . فاجعل عهدي بيني وبينك.... وأقيم عهدي بيني وبين نسلك من بعدك .... وأعطيك  أرض غربتك لك ولنسلك من بعدك جميع أرض كنعان ملكا مؤبدا وأكون لهم الها .... وأنت فاحفظ عهدي أنت ونسلك من بعدك  مدى أجيالهم ...  هذا   هو  عهدي   الذي تحفظونه ...... ابن ثمانية أيام يختن كل ذكر منكم مدى أجيالكم  المولود في منازلكم والمشترى بفضة من كل غريب  ليس   من نسلكم . يختن المولود في بيتك   والمشتري بفضتك فيكون عهدا مؤبدا . وأي أقلف من الذكور لم تختن القلفة من بدنه تقطع تلك النفس من شعبها اذ نقض عهدي.... سارة امرأتك  ستلد لك   ابنا  وتسميه  اسحاق .... في مثل هذا الوقت من قابل " ويفهم من هذا الاصحاح  على اجماله  أن العهد ليس مطلقا  بل مشروطا فشريطته  المبدئية أن يكون ابراهيم (عليه السلام ) كاملا وأ ن يتخذ الله الها هو ونسله من بعده  وأن يختتن ذكورهم وذكور الغرباء  فمن لم  يختتن  سواء كان من نسله  أو من الغرباء  يخرج من عداد   شعب الله  ومن يتبع الشروط الواردة  يظل في شعب الله  وان لم يك  من نسل ابراهيم عليه السلام . أي أن هذا العهد  أيضا تم قبل  ميلاد اسحاق عليه السلام .ولكن يلاحظ أنه قصر المكان الموعود على أرض كنعان (فلسطين كما كانت قبل إحتلال إسرائيل على وجه التقريب ) ويشير هذا لأن هناك عهدين بأرض وليس عهدا واحدا . 

يذكر القرآن الكريم أن البشارة بإسحاق تزامنت مع تدمير قوم لوط ( الحجر : 51  ـ 60 ) وهو ما  نجده  أيضا في سفر التكوين  الاصحاح 18  :10 ـ 19 على  لسان الملائكة الذين أرسلوا لتدمير قوم لوط  " في مثل هذا الوقت  من قابل وسيكون لسارة  امرأتك ابن ... فقال الرب ... وابراهيم سيكون أمة كبيرة مقتدرة ويتبارك به جميع أمم الأرض . وقد علمت أنه سيوصي بنيه وأهله من بعده بأن يحفظوا طريق الرب ليعملوا بالبر والعدل حتى ينجز الرب لابراهيم ما وعــده  به " أي أن هذا النص يؤكد كون العهد  بالنبي الذي تتبارك به قبائل الأرض قد منح قبل ميلاد إسحاق عليه السلام وارتباط العهد بالعمل الصالح .

 وفي سفر االتكوين  الاصحاح 22 : 16 ـ 18 "" بذلتي أقسمت  يقول الرب اني من أجل أنك فعلت هذا الأمر ولم تمسك  ابنك وحيدك أباركك مباركة وأكثر نسلك تكثيرا كنجوم السماء  وكالرمل الذي على شاطىء البحر ويرث نسلك باب أعدائه ويتبارك في نسلك  جميع أمم الأرض . من أجل أنك سمعت لقولي "  والمراد  من هذا أن الله   سيبارك نسله  ويبارك به قبائل الأرض لأنه رضي بتقديم ابنه الوحيد للذبح (اسماعيل كما يفهم  مما سبق ) حيث لا يمكن أن يكون غير البكر وحيدا.

 هنا يكتمل  الابتلاء  فقد قدّم ابراهيم عليه السلام ابنه الوحيد للذبح ، والذي لا يرجو له من عوض فقد بلغت زوجتاه سن اليأس ، وقد شاخ وطعن في السن ، امتثالا لأمر الله تعالى  لذا  منحه الله تعالى هذا الجزاء العظيم . ولا ينتقص من ذلك ما نص عليه سفر التكوين 22 :2 "قال خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق" فمن غير المعقول أن يحب رجل أحد أبنائه دون الآخرين ناهيك أن يكون هذا الرجل نبيا في مثل قدر إبراهيم عليه السلام بل من الواضح من " فقال إبراهيم لله لو أن إسماعيل يحيا بين يديك "(تكوين 17 :18 ) مدى حب إبراهيم عليه السلام لابنه إسماعيل فالأجدر بالظن إذا أن كلمة إسحاق مضافة للنص. كذا فلو كان لإبراهيم عليه السلام ابنان أمر بذبح أحدهما فلن يكون لما فعله نفس المعنى لكونه أقدم على ذبح ابنه البكر الوحيد . ومع ملاحظة أنه على حسب ما جاء في تكوين 12 :1 - 3 بأنه سيكون أمة كبيرة ويتبارك به كل قبائل الأرض ، وما جاء في تكوين 17 :4 ـ 9 بأنه سيكون أبا لجمهور أمم وذلك قبل ميلاد إسحاق فإذا كان قدأمره بعد ذلك بذبح إسحاق فهناك كان سيعلم إبراهيم بأن الله سينقذ إسحاق بطريقة أو ما فلا مجال للخوف  فلا إحتمال أن يموت إسحاق ذبحا أو بأي طريقة أخرى قبل أن يكون له نسل وبالتالي فإنه لن يكون ثمة إبتلاء فيما فعل إبراهيم ليستحق عليه الجزاء العظيم. مما يجعل الظن يتجه إلى أن المكان الأصلي لأمر إبراهيم بذبح ابنه  سابق على العهود المثبتة في سفر التكوين . وأنه قد عدلت بعض ألفاظه.وهو ما يشير بلا شك أن الذي كان سيذبح هو اسماعيل عليه السلام ، وأن من نسله النبي الذي يبارك به الله قبائل الأرض .يذكر إنجيل برنابا فصل 44 :1 ـ 12 " حينئذ قال التلاميذ [ يا معلم هكذا كتب في كتاب موسى أن العهد صنع بإسحاق ] .أجاب يسوع متأوها [ هذا هو المكتوب . ولكن موسى لم يكتبه ولا يشوع .بل أحبارنا الذين لا يخافون الله .الحق أقول لكم أنكم إذا أعملتم النظر في كلام الملاك جبريل تعلمون خبث كتبتنا وفقهائنا . لأن الملاك قال[ يا إبراهيم سيعلم العالم كله كيف يحبك الله . ولكن كيف يعلم العالم محبتك لله . حقا عليك أن تفعل شيئا لأجل محبة الله ] . أجاب إبراهيم [ ها هو عبد الله مستعد أن يفعل كل ما يريد الله ] . فكلم الله حينئذ إبراهيم قائلا [ خذ ابنك بكرك إسماعيل واصعد الجبل لتقدمه ذبيحة  ] .فكيف يكون إسحاق البكر وهو لما ولد كان إسماعيل ابن سبع سنين . فقال حينئذ التلاميذ[ إن خداع الفقهاء لجلي ]" . ويبدو أن النص كان على هذه الصورة في أيام المسيح عليه السلام .فلا يمكن لكاتب إنجيل برنابا أن يستدل بنص غير موجود .

   ومن  واقعة  الذبح  سنت اقتداءا به في شريعة موسى عليه السلام  أن تقدم ذبيحة عن كل ذكر بكر  " قدس لي كل ذكر فاتح رحم .."  (خروج 13 :2 ) و "وافدي كل بكر من أولادي "(خروج 13 :15 )كما سنت  ذبيحة الفصح  "كلما كل جماعة إسرائيل قائلين في العاشر من هذا الشهر يأخذون كل واحد شاة بحسب بيوت الآباء .. هو فصح للرب "( خروج 11 :3 و 13 :1 وغيرها )وفي شريعة النبي صلى الله عليه وسلم سنت  اقتداءا بها الأضحية... والعقيقة  .

ويأتي ذكر إبراهيم عليه السلام في إنجيل برنابا فصل 191 :3 ـ 10 " فقال من ثم الكاتب :[ لقد رأيت كتيبا قديما مكتوبا بيد موسى ويشوع ( الذي أوقف الشمس كما قد فعلت ) خادمي ونبيي الله .وهو كتاب موسى الحقيقي .ففيه مكتوب أن إسماعيل هو أب لمسيا و إسحاق أب لرسول مسيا .وهكذا يقول الكتاب أن موسى قال ( أيها الرب إله إسرائيل القدير الرحيم إظهر لعبدك في سناء مجدك . فأراه الله من ثم رسوله على ذراعي إسماعيل وإسماعيل على ذراعي إبراهيم . ووقف على مقربة من إسماعيل إسحاق وكان على ذراعيه طفل يشير بإصبعه إلى رسول الله قائلا :[ هذا هو الذي لأجله خلق الله كل شيء ] .فصرخ من ثم موسى بفرح [ يا إسماعيل إن في ذراعيك العالم كله والجنة .أذكرني أنا عبد الله لأجد نعمة في نظر الله بسبب ابنك الذي لأجله صنع الله كل شيء]"

لقد أبتلي إبراهيم عليه السلام بأمره بترك بيت أبيه في صباه وهو بحكم سنه في أشد الحاجة لمن يرعاه فقبل،  وها هو يبتلى وقد بلغ من العمر ما بلغ وهو في أشد الحاجة لابن يرعاه في شيخوخته ويحفظ اسمه بعد مماته بالأمر بذبحه وهو مع هذا يقبل أيضا .

ولا نجد في إنجيل برنابا أي ذكر للكعبة ولفاران (الاسم القديم لمكة المكرمة ) وإن كان يمكن القول أنها ما أشار إليه بقوله "مدينة الآباء "(فصل 72 :23 ).كما لا نجد به معجزة إحيائه للطير بإذن الله والتي ذكرها القرآن الكريم (البقرة  :260 )ولا نجد في العهد القديم الكثير عن دين إبراهيم (عليه السلام ) وقد ورد به أن من يدعى ملكي صادق وهو كاهن لله العلي على ما يقول العهد القديم قد باركه "وأخرج ملكيصادق ملك شليم خبزا وخمرا لأنه كان كاهنا لله العلي .وباركه وقال مبارك ابرام من الله العلي مالك السماوات والأرض وتبارك الله العلي"(تكوين 14 :18 ـ 20 )ولا  سبب أمره بترك منزل أبيه.

لكننا نجد في التلمود بعض القصص التي تتناول حياة إبراهيم وتوضح بعضا من دينه فمنه أنه ولد في كهف وظل به لحين بلوغه ثلاثة عشر سنة وفي رواية أخري للتلمود أقل من ذلك . وتذكر إحدى الروايات أنه خرج من الكهف ليلا فرأى النجوم فقال هذه هي الأرباب .فلما أشرقت الشمس قال :كلا بل هذه هي الرب .فلما أفلت وظهر القمر قال بل هو هذا .. فلما أفل قال : ما هذه بأرباب إنما الرب المعبود هو الذي يديرها ويسيرها ويبديها ويخفيها .

وفي رواية أخرى أن أمه خرجت تتفقده بعد عشرين يوما من مولده فوجدت صبيا ناميا أنبأها أنه هو إبراهيم وقال لها عندما تعجبت :إنها قدرة الله الذي يرى ولا يرى ..

كما يروي التلمود أنه بدأ بالدعوة لله عند ذاك : الإله الأحد الذي لا إله غيره :رب السماوات ورب الأرباب ورب النمروذ . وأنذرهم أن يتركوا عبادة الصنم الذي صنعوه على مثال النمروذ . فإن له فما ولكنه لا ينطق ، وعينا لكنه لا يبصر وأذنا ولكنه لايسمع ، وقدما ولكنه لايسعى ولا ينفع نفسه ولا يغني عن غيره شيئا .كما يروي أنه أمسك بعرش النمروذ وصاح به :أيها الشقي ! إنك تنكر الله الحي الصمد وتنكر عبده إبراهيم خادم بيته الأمين .

كما يروي أن أبو إبراهيم كان مثالا يصنع الأصنام ، وأن إبراهيم اهتدى إلى ضلال هذه العبادة لأنه رأى أباه يصنعها ويصلحها ، وكان يبيعها لأبيه ، فعجب للذين يشترونها كيف يعبدون صنما مصنوعا بالأمس ومنهم من جاوز الخمسين .

ورأى إبراهيم يوما الأصنام تحترق فقال لأبيه " يا أبت ! إن النار أحق بعبادتك من أصنامك لأنها تحرقها "،ثم قال "بيد أني لا أحسب النار إلها لأن الماء يخمدها ، ولا أحسب الماء إلها لأن الأرض تبتلعه ، ولا أحسب الأرض إلها لأن الشمس تجففها وتنشر على الكون كله أشعتها ، ولا أحسب الشمس إلها لأن الظلام يحجبها ، ولا أحسب القمر والنجوم التي تظهر في الظلام آلهة لأنها تحتجب عند طلوع النهار ، وإنما الإله القدير على كل شيء هو خالق الشمس والقمر والكواكب والأرض وما عليها ،وخالقي وهادي إلى الحق المبين ".كما يروي التلمود أنه أهوى بقدوم على الأصنام فحطمها ووضع القدوم في يد كبيرها ، وعندما حضر أبوه على صوت التحطيم وسأله " ماذا دهاها ؟" قال "هذا أنحى عليها فكسرها ولا يزال القدوم في يديه " فصاح به أبوه "إنك تكذب فما في وسع هذا الصنم أن يفعل ما زعمت ". قال إبراهيم " عجبا لك يا أبتاه تعبد هذه العجزة التي لاتقدر على ضرر ولا نفع " ثم وثب على الصنم الكبير فأخذ القدوم من يده وضربه فألقاه ، وهرب من وجه أبيه .

وفي مدراش رباه وهي من أجزاء التلمود : أن أباه حنق عليه حين كسر الأصنام فخاصمه إلى النمروذ فسأله النمروذ [ إن كنت لا تعبد الصور والمشبهات فلماذا لاتعبد النار ؟] قال إبراهيم [ أولى من عبادة النار أن أعبد الماء الذي يطفئها ]قال النمروذ [ فأعبد الماء إذن ؟] قال إبراهيم [ بل أولى من عبادة الماء أن أعبد السحاب الذي يحمله ] قال النمروذ [ إذن تعبد السحاب ..] قال إبراهيم [ وأولى من السحاب بالعبادة ريح تبدده وتسير به من فضاء إلى فضاء ]قال النمروذ [ فما لك لا تعبد الريح ؟]قال إبراهيم [إن الإنسان يحتويها بأنفاسه فهو إذن أحق منها بالعبادة ] . ومفاد الحوار أن الإنسان عندما ينظر في خلق الله يدرك أن هناك خالقا قديرا لايضيره شيء.

عندذاك أمر النمروذ بسجنه سنة بدون ماء ولا طعام ولم يمت ، وضرب عنقه بالسيف فلم يعمل فيه السيف فأمر أحد أعوانه بإحراقه فخرج من الأتون لسان نار وإلتهم الجلاد ولم يقترب من إبراهيم . فاتفقوا على احراقه بإلقائه في النار بمنجنيق ،فضرع الملائكة إلى الله أن ينجيه فأذن لهم أن يعملوا لنجاته ما يستطيعون ، ولكنه أبى أن يعتمد في نجاته على أحد غير الله ، وإذا بالجمر من حوله كأنه فراش من الورد والريحان ..

وفي أحد مرويات التلمود أن تارح (أبوه حسب قول العهد القديم والتلمود )احترق بالنار حين اقترب منها ،ولكن هناك مرويات أخرى تناقض ذلك .

ويلاحظ أن النمروذ كنعاني وبالتالي يستحيل أن يكون له علاقة ما بموضوع محاولة احراق إبراهيم عليه السلام ، ولكن كان هناك حوار بين إبراهيم عليه السلام وآخر يغلب على الظن أنه النمروذ ،أورده القرآن الكريم في قوله تعالى " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين "(البقرة :258 ).

ولإسحاق عليه السلام ولد   ابنان عيسو ويعقوب عليه السلام (تكوين 25 :25 ، 26 ) وعندما  كبر  يعقوب عليه السلام ومنح النبوة  سمي اسرائيل(  أي عبد الله )  وولد ليعقوب عليه السلام  اثنى  عشر  ابنا  منهم  لاوي(ومن  نسله موسى   وهارون عليهما السلام )  ومنهم   يهوذا  ( ومن  نسله داوود وسليمان عليهما   السلام  ) ومنهم  يوسف عليه  السلام  . ولحق  يعقوب عليه السلام وأبناؤه  بيوسف عليه السلام في مصر وتكاثروا  بها وأصبح  نسل كل من أبنائه  الاثنى عشر  سبطا  دعي باسم أبيه  في عصر موسى عليه السلام ، وأصبح بنواسرائيل شعبا وأسماهم العهد القديم "إسرائيل " .

ولقد علمنا مما سبق أن هناك عهدا من الله لإبراهيم بنبي من نسل ابنه الذي كان سيذبحه (إسماعيل كما سبق وبيّنا وقد صارت تذكرة بني إسرائيل بهذا النبي  يقول الله تعالى " وإختارموسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما اخذتهم الرجفة قال رب لو شئت اهلكتهم  من قبل و إياي اتهلكنا بما فعله السفهاء منا ان هي الا فتنتك تضل بها من تشاء   وتهدي  من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا و إرحمنا و انت خير الغافرين * و اكتب لنا في هذه الدنيا حسنة و في الاخرة انــّـا هدنا اليك  قال عذابي أصيب به من أشاء  ورحمتي وسعت كل  شيء فسأكتبها  للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآيايتنا * الذين يتبعون الرسول النبي  الأمي  الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة  والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر  ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث  ويضع عنهم اصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا  به وعزّروه ونصروه و اتّبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون " (سورة  الأعراف : 155 -157 ) . ومعنـــــى   ـ هدنا اليك ـ  في الآية 156 ، عدنا اليك .  ومنها سمي بنو اسرائيل  يهودا . وللكلمة العبرية  ذات  المدلول  .  على أن هناك  هناك احتمالا  آخر  لسبب هذه التسمية  سنأتي اليه فيما بعد . ومن الآيات  يفهم أن موسى عليه السلا م بشّر بالنبي صلى الله عليه وسلم وتنبّأ بما سيصير  اليه ابتلاء بني اسرائيل  وما أخذ  عليهم من اصر وما حرم عليهم بذنوبهم  الى غير ذلك مما تشير اليه الآية . وفي العهد القديم سفر التثنية 18 :18 ،19 "أقيم لكم نبيا من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه  " ومن المؤكد أيضا أن  موسى عليه  السلام  ومن تبعه من أنبياء بني اسرائيل  قد بشّـروا بالمسيح عليه السلام  أيضا.ولقد تناولنا بعضا من هذه النبوءات في مقالين عن محمد والمسيح عليهما السلام ، على أنه يجب التنويه هنا أن النبي الذي هو من نسل الذبيح والذي تتبارك به قبائل الأرض دعي أحيانا بـ "النبي " وأطلق عليه لفظ" مسيا " وتعني  الأخيرة المعزي. بينما  يعني لفظ المسيح من يمنحه الله الملك على بني إسرائيل .وقد كانت الحدود واضحة بين النبيين حتى إرسال المسيح عليه السلام وهذا يبدو واضحا مما جاء على لسان يحي عليه السلام (يوحنا المعمدان )" وهذه شهادة يوحنا .. فاعترف ولم ينكر واعترف أني لست المسيح .فسألوه إذا ماذا إيليا أنت فقال لست إياه  النبي أنت  قال كلا "(يوحنا 1 :19 ـ21 )وما جاء في إنجيل يوحنا 7 :41،42 "وأن قوما من الجمع لما سمعوا كلامه قالوا هذا في الحقيقة النبي وقال آخرون هو المسيح ".

ولعل إحدى النبوءات التي تتحدث عن المسيح تعيننا هنا في مجال بحثنا عن عهد الله لإبراهيم بالأرض ؛تلك هي ما جاءت في مزمور 90 في النسخة الكاثوليكية و91 في النسخة البروتستانتية من 7 - 16 "تسقط عن جانبك الألوف وعن يمينك الربوات وإليك لا يقترب السوء . بعينك تنظر ذلك وتعاين مجازاة المنافقين ... من طول الأيام أشبعه وأريه خلاصي" وما جاء في مزمور 36 في النسخة الكاثوليكية و37 في النسخة البروتستانتية 29 ـ34 "والصديقون يرثون الأرض ويسكنونها إلى الأبد .. إنتظر الرب واحفظ طريقه فيرفعك لترث الأرض  إلى انقراض الأشرار تنظر" وهي تعني أن المسيح سيعيش إلى نهاية العالم (قيام الساعة )وسيحكم  بني إسرائيل بعد أن يرى نهاية الأشرار الذين كفروا به .أي أن هناك عهد آخر بأرض يحكمها المسيح عليه السلام بخلاف تلك التي وعد بها إبراهيم عليه السلام وحدود هذه هي حدود فلسطين قبل إحتلالها على شيء من التقريب .فعندما رأى بنو إسرائيل من ظنوه المسيح يصلب إنقسمت آراؤهم فظن بعضهم أن الساعة ستقوم وظن آخرون أنه لا بد وأن يكون هو نفسه مسيا .وقد أوضح إنجيل برنابا أن الذي صلب في الحقيقة هو يهوذا الإسخريوطي وأن المسيح (عليه السلام ) سيعود قبيل النهاية لتتم النبوءات التي قيلت عنه .وهو في ذلك يخالف ما جرى عليه مفسروا القرآن الكريم إذ أوردوا  أن أحد تلاميذ المسيح عليه السلام واسمه سرجيوس قد صلب بدلا منه طواعية . بينما يذكر القرآن الكريم النساء : 157 ، 158 "وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا إتباع الظن وما قتلوه يقينا * بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما " أي أن الذي صلب كان شبيها بالمسيح عليه السلام وهو ما لا ينطبق على أي شخص آخر إلا بمعجزة كمثل التي ذكرها برنابا .ويبدو من القرآن الكريم أنه حتى في عصر المسيح لم يتأكد هل الذي صلب هو المسيح أم غيره " وما قتلوه يقينا ".فتحليل القرآن الكريم للأحداث يجعل جميع النبوءات السابقة حقيقية . فلو كان المسيح (عليه السلام ) قد صلب ومات منذ أكثر من عشرون قرنا فلماذا لم تقم الساعة ؟ لا ينتقص من ذلك ما يقال انه بعث ، فالنبوءة تقول أن الساعة ستقوم عند موته . ولا يوجد في العهد القديم ما يشير إلى أن المسيح سيموت ثم يبعث .

قام ملوك الأرض والعظماء ائتمروا على الرب وعلى مسيحه ..الساكن في السموات يضحك الرب يستهزيء  بهم" (مزمور 2 :2 ـ 4 )  . وقد تركّزت مناوءة المسيح عليه السلام في أورشليم  مقر سبط يهوذا والذين كانت لهم السلظة الكهنوتية  آنذاك . وكفر به أغلب سبط يهوذا وصرّح المسيح عليه السلام بلعنة أورشليم والمقصود بذلك ليس المدينة بل قاطنيها (أي سبط يهوذا ) اذ قال " يا أورشليم  يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين اليها كم من مرة أردت أن أجمع بنيك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت  جناحيها  فلم يريدوا .هوذا بيتكم يترك لكم خرابا "" (لوقا 13 :34  ـ 35 ) .  وفي انجيل لوقا 21 :20 ـ25  "ومتى رأيتم أورشليم محاطة  بجيوش فحينئذ اعلموا أنه قد اقترب خرابها .حينئذ ليهرب  الذين في اليهودية الى الجبال . والذين في وسطها  فليفروا  خارجا . والذين في الكور  فلا يدخلوها . لأن هذه أيام انتقام ليتم كل ما هو  مكتوب . وويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيام  لأنه يكون ضيق  عظيم على الأرض  سخط  على هذا الشعب . ويقعون بفم السيف ويسبون الى جميع الأمم . وتكون أورشليم مدوسة من الأمم حتى تكمل أزمنة الأمم  وتكون علامات في الشمس .........." فهو هنا يوضح أن هذه المعركة ستكون قبل يوم القيامة (الدينونة ) مباشرة .

 أي أن السبط الذي كفر أغلبه بالمسيح عليه السلام هو سبط يهوذا  فظلوا على يهوديتهم . ويرجع البعض   تسميتهم لانتماءهم لسبط يهوذا  ، وهو جائز . وان كان الأصح أن شعب اسرائيل كله سمّوا يهودا  قبل بعثة المسيح عليه السلام  . وتحوّل أغلب بني اسرائيل ( شعب اسرائيل  ) الى الايمان بالمسيح عليه السلام  وسموّا  ناصريين  ثم اطلق عليهم بعد ذلك مسيحيين .على أنه يمكن القول  بأن أغلب اليهود الآن من سبط يهوذا بالاضافة الى يهود ليسوا من بني اسرائيل  كنسل شعب سبأ  ونسل سحرة فرعون   ونسل الاغريق والرومان وغيرهم الذين آمنوا بالعقيدة اليهودية كنتيجة لتبشير اليهود لهم وهم في شتاتهم " لأن موسى منذ الأجيال القديمة له في كل مدينة من ينادي به في المجامع اذ يتلى كل سبت " ( أعمال الرسل 15 : 21 ) . و" وكان في أورشليم رجال من اليهود أتقياء  من كل أمة تحت السماء  " (أعمال الرسل 2 :5 ) . ويدل كذلك على وجود يهود من غير بني اسرائيل  تواجدهم في كورنثوس وأفسس وفيليبي وكولوسي و وتسالونيكي وغلاطية ورومية ... الخ وهي من بلاد اليونان والرومان . أي أن اليهودية عقيدة وليست نسبا (شعب أو قبيلة أو سبط )  وأن اليهود الآن لايمثلون الا نسبة ضئيلة من بني اسرائيل بالاضافة الى أخلاط بشرية أخرى .

 نعود إلى  أهم النبوءات التي بشّرت بالمسيح عليه السلام  فهو يولد من عذراء وأنه رسول لبني اسرائيل   كما أقرّ بذلك " لم أرسل الا الى الخراف الضالّة من آل اسرائيل" ( متى 15 :24) والصحيح  أنه أرسل الى عموم اسرائيل الضالين وغير الضالين  والى الذين يحسبون أنفسهم   مهتدين  وهم غير ذلك .  وأن الله  سينقذه من كيد الكافرين  "الآن عرفت أن الرب مخلّص  مسيحه يستجبيه من سماء قدسه بجبروت خلاص يمينه " (مزمور 20 :6 ـ8 ) و" الاله المنتقم لي ... منجيّي من أعدائي . رافعي أيضا ... برج خلاص لملكه والصانع رحمة لمسيحه " (مزمور 18 : 47 ـ50) وما ورد في مزمور 2 :2 ـ 4 وقد تقدّم .  وأنه سيملك على آل يعقوب   "ويملك على آل يعقوب " (انجيل لوقا 1 :32 ) وأنه سيعيش لقرب نهاية العالم .

  وفي انجيل يوحنا  1: 19 ـ21 " وهذه شهادة يوحنا   اذ أرسل  اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من أنت  . فاعترف ولم ينكر  وأعترف أني لست المسيح .فسألوه اذن ماذا اايليا أنت فقال لست اياه . النبي أنت أجاب كلا ". ويفهم من هذا أنه كانت هناك نبوءات عن ثلاثة المسيح والياس والنبي واحتار القوم أيهم هو يوحنا (يحي عليه السلام ) ؟ وهو ما علم من القرآن الكريم  اذ أن موسى ومن تلوه من أنبياء بني اسرائيل بشّـروا  بالمسيح وبالنبي عليهما السلام . أما عن الياس عليه السلام (ايليا ) فان العهد القديم يقول أنه رفع وأنه سيعود قبل يوم القيامة .

أما عن النبي في هذه النبوءات فهو من دعاه اليهود مسيا  وقيل الفارقليط أو باركل تس وقيل كنسلاتر أي المعزي وكلها لمدلول واحد هو نبي يأتي لتتبارك به جميع قبائل الأرض ويحكم من النيل للفرات وهو من نسل الذي كان سيذبح وقد كانت النبوءة به قبل ميلاد اسحاق . والاشتقاق اللفظي لكلمة مسيا تعني المعزي أو المخلص . بخلاف كلمة المسيح التي تعني من يمسحه الله ملكا .

وينكر اليهود أن المسيح أو مسيا قد جاءا , بينما يظن المسيحيون أن المسيح هو نفسه مسيا . رغم أن هناك نصوصا في انجيل يوحنا بالعهد الجديد أن المسيح عليه السلام قال أن المعزّي سوف يأتي بعده (يوحنا 14 : 26 و يوحنا 15 : 26 ويوحنا 16 : 7 ـ 11 ) وكذا فان المسيح عليه السلام لم يملك على آل يعقوب ولا على غيرهم  ، كما لم تقم القيامة  ويعني هذا  أن المسيح عليه السلام لم يمت حتى الآن وأنه سيملك على بيت اسرائيل (آل يعقوب )  عندما يعود ويحكم فلسطين ويعيش العالم في سلام ثم  ما أن توافيه المنية حتى يعود الناس الى سابق كفرهم فتقوم عليهم  الساعة .

وعندما أرسل رسول الله محمد من نسل اسماعيل عليه السلام ، رسولا لكل البشر من جميع قبائل الأرض يقول الله تعالى في القرآن الكريم " وما أرسلناك الا رحمة للعالمين * قل انما يوحى اليّ أنما الهكم اله واحد فهل أنتم مسلمون " أي أنه دعا الى  عبادة  الله  الواحد الأحد على دين ابراهيم  عليهما السلام . فآمنت  به  الغالبية العظمى  من  سكان الجزيرة العربية . كما آمن به سكان منطقة الشام والعراق وتركيا وبعض مناطق شبه جزيرة البلقان ومصر والحبشة  وهم من النصارى وغالبيتهم  من  بني اسرائيل . وبذا أصبح من بني اسرائيل مسلمين ونصارى ويهود . هنا تم العهد المعطى لإبراهيم عليه السلام .وأصبح لنسله من النيل للفرات والأصح لمتبعي دينه .ومن المؤكد أن نسبة اليهود من بني اسرائيل ـ  الآن  ـ أقل  من نسبة   كل من النصارى  والمسلمين من بني اسرائيل  فاليهود تقدّر  نسبتهم بالعشر (سبط واحد من اثنى عشر سبطا ) بينما المسلمون والنصاري مجتمعين يمثلون الباقي (تسعة  أعشار تقريبا  ) , ونسيت الأنساب تماما فلم يعد انسان يذكر من نسل من هو وما يقال في هذا المجال انما هو من قبيل التخمين  ولايقارب الحقيقة .

 وينسى اليهود أو يتناسون أن العهد مرتبط بطاعة الله فقد ورد ما نصه " وأكون لهم  الها "   أي لايعبدون غيره . و " وأي أقلف  من الذكور لم تختن القلفة من بدنه تقطع تلك النفس من شعبها " فليست المسألة اذا مسألة نسل بقدر ما هي طاعة الله وحسن عبادته . وما يبينه أيضا  ما ورد في حزقيال  14 :7 ،8 " فانه أي  رجل من آل اسرائيل أو من الغرباء الدخلاء فيما بين اسرائيل   ارتدّ عن اتباعي  ونصب أصنامه في قلبه ووضع معثرة اثمه تجاه وجهه .. فاني أنا الرب أجيبه عني . وأجعل وجهي ضد ذلك الانسان وأجعله آية ومثلا  وأقطعه من بين شعبي " ويعني هذا أن من يأتي هذه المنكرات لايصبح من شعب الله ولو كان من بني اسرائيل وأن الدخلاء والغرباء ان لم يأتوا هذه المنكرات فانهم يظلون من شعب الله .فيدعون أنهم المنوطون بعهد الله لإبراهيم ، ولو فرضنا جدلا أن العهد منح لبني إسرائيل فإنهم ليسوا بني إسرائيل .

مما سبق فان العهد الذي وعد الله به ابراهيم عليه السلام بالأرض من النيل الى الفرات قد تم بنبوءة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم من خلال الفتوحات الاسلامية والتي شملت ليس أبناء  اسماعيل عليه السلام فقط بل بني اسرائيل أيضا والذين كانوا نصارى وآمنوا به صلى الله عليه وسلم ، وغيرهم من الأمم الذين آمنوا بدين ابراهيم عليه السلام ، والذي أرسل به النبي صلى الله عليه وسلم . وقد وردت النبوءة بهذا العهد أو العهدين (الله أعلم ) في كتاب الله الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه في قوله تعالى " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون * ان في هذا لبلاغ لقوم عابدين * وما أرسلناك الا رحمة للعالمين * قل انما يوحى  اليّ أنما الهكم اله واحد فهل أنتم مسلمون " صدق الله العظيم .

 

السابق