نقد إنجيل برنابا

 

اطلعت على أغلب ما قيل عن إنجيل برنابا، وهذه بعض التعليقات على بعض النقاط التي تناولها من انتقدوا إنجيل برنابا وعليه فقد اعتبروه إنجيلا مزورا. بل واهتم  بعضهم بمحاولة نسبة من كتبه للإسلام.

من الواضح أن إنجيل برنابا له شخصية مستقلة عن كل ما لدينا الآن من كتب عقائدية سواء يهودية أو مسيحية أو إسلامية. فلا يمكن أن يكون أي منها مرجعا لكثير مما كتبه. فما أشار إليه من النصوص من كتب العهد القديم تختلف في أغلب الأحيان عما هو مدون بتلك، اختلافا يصل إلى حد التناقض في كثير من الأحيان. كما أشار إلى نصوص لا توجد فيها على أنها موجودة بالكتب. من ذلك قصة إلياس ( إيليا) مع الأعمى ، وكتيب إلياس ، وقصة حجي وعوبديا وتصدق حجي الذي فاق الوصف. وعليه فإن العهد القديم على الأقل بصورته الحالية لا يمكن أن يكون مرجعا له. ولكن ربما كانت هذه الكتب موجودة في عصر المسيح عليه السلام وبالصورة التي وصفها كاتب إنجيل برنابا. ورغم أن كاتب إنجيل برنابا يتحدث كثيرا عن نبي للأمم جميعها اسمه محمد فإنه يكاد يخطأ دوما في صفاته. ويناقض كثيرا مما أورده القرآن الكريم عن قصص الأنبياء السابقين، وفي أمور يقينية واضحة لا تحتمل اللبس. لا أتحدث هنا عن الشريعة فمما لا شك فيه أن الله أحل على لسان المسيح عليه السلام بعض الذي كان قد حرمه على اليهود لبغيهم ( العمل في السبت، بعض أنواع اللحوم) ، وتختلف المناسك من رسالة نبي لآخر ولكن الدين لا يتغير. وهو ما يجزم بأن كاتبه لم يعاصر أو يلحق نبوة محمد بن عبد الله عليه السلام، فالكافة يعلمون ماذا قال وبماذا أمر وماذا فعل وعن ماذا نهى منذ البدايات الأولى لنشر الدعوة ،وهذا يدل أن كاتب إنجيل برنابا لم يكن مسلما يوما ما على دينه وشريعته. ولكن في ذات الوقت فإن هذه الاختلافات تؤكد أن إنجيل برنابا بصورته الحالية لا يمكن أن يكون هو الإنجيل الذي وصفه الله في القرآن الكريم والذي دعا النصارى أن يأخذوا بأحكامه. حقا لقد كانت هناك حتى عصر النبي عليه السلام نسخ من الكتب صحيحة أو قريبة من الصحة وهي التي وصف القرآن الكريم أصحابها "الذين أوتوا الكتاب". ولكن للأسف فإن أصحابها بعد أن اعتنقوا الإسلام ألقوا  بها. ولا شك أنها كانت ستكون ذات أهمية كبيرة. ويذكر  القرآن الكريم أن المسيح عليه السلام بشر بنبي يأتي بعده اسمه أحمد أي أنه ذكر اسمه، ووصفه بطريقة لا تجوز الخطأ فيقول عنه "يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" . وقد ورد في القرآن الكريم وفي السيرة النبوية أن من أهل الكتاب من تعرفوا عليه من خلال المكتوب عنه في كتبهم. الإنجيل عند المسلمين كتاب منزل من لدن الله الذي يعبدونه ويحبونه بإخلاص ، وبالتالي ينبغي ألا يكون هناك اختلاف في كثير أو يسير بينه وبين ما في القرآن الكريم، فالحق واحد، وكل ما أنزله الله حق مبين، وما اختلف عنه لا يمكن أن يكون هو الإنجيل.

من المؤكد تاريخيا أنه كانت هناك أناجيل عديدة في القرون الأولى للمسيحية، وقد تباينت في معطياتها وآرائها ما أدى إلى أن تعقد مجامع مسكونية أغلبها تم تحت رعاية القياصرة الوثنيين أو الذين تنصروا حديثا لتحديد الصحيح منها وإعدام الباقي. وكنتيجة لأعمال هذه المجامع تم اعتماد النصوص التي رأوها صحيحة وسمو فصول هذه الأناجيل إصحاحات. بمعنى أنه قد تم بمعرفتهم تصحيح النصوص. أيهم أجدى بالاعتراف، الصحيح بذاته أم الذي تم تصحيحه؟ وقد كان من ضمن الأناجيل التي طالبت هذه المجامع بإعدامها إنجيل يسمى إنجيل برنابا ( كما يتبين مما كتبه بابا المسيحيين آنذاك جلاسيوس ). والسؤال هل يحق للبشر تصحيح كلام الله ؟ أم أن على البشر أن يسمعوا كلام الله ويعدلوا ما بأنفسهم ليطابق ما يريد الله؟ وقد كانت عقوبة الموت جزاء لمن يحتفظ بإنجيل من التي رفضتها المجامع. وكانت كل الأناجيل العبرية ضمن الأناجيل المحظورة، رغم أنه يظن أنها ربما تكون أصحها حيث أنها مكتوبة بنفس اللغة التي تحدث بها المسيح عليه السلام لتلاميذه مما يستبعد أخطاء محتملة بسبب دقة الترجمة.

ولكن هل كان المسيح عليه السلام يخاطب العامة بالعبرية أو الأرامية (فقد اختلطت اللغتان ) ، وكيف كان يخاطب هيرودس أو بيلاطس أو جنود الرومان؟ من المؤكد أن هؤلاء لم يكونوا ليفهموا العبرية علاوة على أنهم كمحتلين لأرض فلسطين كانوا يفرضون التحدث باللاتينية ( لغة الرومان) ، طبعا كانت هناك لغة عامية دارجة هي التي تطورت فيما بعد لما يسمى الآن الإيطالية، لم توضح أي من الأناجيل هذه المسألة. يبدو لي أن هذه اللغة الدارجة هي التي كانت اللغة السائدة في التعاملات في جميع الأراضي التي كان الرومان يحتلونها آنذاك ومنها فلسطين. وبرنابا حواري (تلميذ ) المسيح عليه السلام كان قبرصيا وقبرص كما هو معروف جزيرة تكثر بها الجبال ، ولأهلها قرب ملحوظ من العادات الأوروبية. وهذا يبرر وصفه طريقة تعبئة الخمور في براميل وطريقة تدحرجها على الجبال فارغة. كما يبرر كتابته إنجيله باللاتينية العامية حيث أنه من عامة الشعب وليس أديبا أو فيلسوفا.

من المؤكد إذا أنه كانت هناك نسخ كثيرة من إنجيل برنابا تم إعدامها بمعرفة السلطة الرومانية. ولكن مع هذا فقد تمكن البعض من الاحتفاظ بأكثر من نسخة. فمن الواضح أن النسخة الإيطالية التي ترجمت عنها  النسخة الأسبانية غير تلك التي تناولتها الأيدي في القرن السادس عشر الميلادي في بلاد كلها أوروبية إلى أن وصلت لمكتبة البلاط الملكي في فيينا ثم آلت بعد ذلك للمكتبة القومية بالنمسا. فهناك زيادة في تلك طبقا لما ذكر عنها عن التي ترقد الآن في المكتبة القومية بالنمسا والتي ترجمها راغ إلى الإنجليزية وترجمها خليل سعادة من الإنجليزية إلى العربية ، ففيها أن بطرس شك أن الذي يقاد للصليب هو عيسى (يسوع). كما عثر على نسخة أسبانية منه في سيدني بأستراليا، ونسخة بالأرامية.

من المؤكد أن النسخة التي ترجمها راغ لم يكتبها برنابا بيده بل هي نسخة من مصنف سابق ، ولا يحتاج الأمر إلى استنتاج فأسماء من نسخوه تذيل كل صفحة من صفحاته، وقد بلغوا قرابة المائة ناسخ، وعليه فإن ما يقال عن عمر هذه النسخة اعتمادا على نوع الورق والتجليد.. الخ لا يمكن أن يعتبر دليلا على تاريخ تأليفه. وقد وجدت هذه النسخة بصورة ممتازة حتى أن الأجزاء التي تبدو فيها العبارات غير واضحة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة. ويمتاز إنجيل برنابا عن الأناجيل الأربعة المعتمدة لدى الكنائس بإيراده تفصيلات لكل حادث ذكرتها هذه الأناجيل مجتمعة أو منفردة، ولست أدري  كيف يعتبر هذا عيبا فيه؟ بل يذكر أحداثا لم تذكرها أيها . إن دل هذا على شئ فإنما يدل على قرب كاتبه من المسيح عليه السلام. ويشرح أقوالا وردت اقتضابا في الأناجيل الأربعة حتى أنه بالكاد يمكن فهم معناها. هل يمكن أن يكون كل ما قاله المسيح عليه السلام طوال ثلاث سنوات هي عمر بشارته في أمر الدين الذي أرسل لينشره هي ما أورده أي إنجيل من الأناجيل الأربعة وهو من هو؟ رسول من الله أيده الله تعالى بكمِّ من المعجزات ، كما أيده بجبريل عليه السلام ( الروح القدس) يحميه من أي أذى قد يحاوله كفار اليهود ووثنيو الرومان، ثم يكون كل ما قاله أقل من سبعمائة جملة في أكثر الأناجيل الأربعة إسهابا؟

نعم هناك أخطاء لا يمكن إنكارها في إنجيل برنابا ، ولكن البعض أضافوا إليها ما لم يقله، وحملوا أقواله بما ليس فيها. من ذلك القول أنه قال أن أورشليم والناصرة ميناءين على البحر الأحمر. وبمراجعتي النصين الإنجليزي والعربي لم أجد أي علاقة محتملة بين المدينتين والبحر الأحمر، كما لا توجد بهما أي علاقة بين أورشليم (القدس) وأي بحر كان. حقا لقد ورد في الفصل العشرون : 1 " وذهب يسوع إلى بحر الجليل ونزل في مركب مسافرا إلى الناصرة مدينته" ، فهل يعني هذا أن الناصرة تقع على بحر الجليل؟ طبعا لا. فإذا قلت أني مسافر إلى أثينا بحرا ، فهل يعني هذا أن أثينا تقع على البحر. معناه أني سأمر على بحر في طريقي إلى أثينا. ويكاد يكون النص ذاته موجودا في إنجيل متى 9: 1 "فدخل السفينة واجتاز وجاء إلى مدينته".

كما استنتج البعض أنه  إذ استعمل كاتب إنجيل برنابا وحدة الوزن الرطل فيكون كاتبه من العصور الوسطى. في نسخة الملك جيمس والتي منها ترجمت النسخة البروتستانتية  وردت كلمة pound  الترجمة الحرفية لرطل في ثماني مواضع . في ملوك أول 10: 17، عزرا 2: 69، نحميا 7: 71 ، نحميا 7: 72 ، لوقا 19: 18، لوقا 19: 24 ، يوحنا 12: 3 ، يوحنا 19: 39 . أما في النسخ اللاتينية فقد وردت كلمة libram, libras  في ترجمة كلمة pound  في إنجيل يوحنا 12: 3 ، يوحنا 19 : 39 ، وفي الإيطالية وفي نفس المواضع كلمة libbra, libre . أما مخطوط إنجيل برنابا فقد استعمل كلمة lire  للدلالة على كلمة رطل. وهذا من ضمن ما يؤكد أن إنجيل برنابا يستعمل لهجة كانت موجودة في قديم الزمان للاتينية . أما النسخ العربية فقد استعملت "منا" للدلالة على كلمة رطل فيما عدا أنه في يوحنا 12: 3 استعملت كلمة رطل في النسخة البروتستانتية ، وفي يوحنا 19: 39 استعملت كلمة رطل في النسخة الكاثوليكية، وفي نفس الموضع الذي ذكره إنجيل برنابا أي في تعطير جثمان المصلوب. على أني تحيرت في فهم كلمة منا فهي في سفر ملوك أول جزء بالمائة من الرطل وفي إنجيل لوقا ويوحنا تعادل الرطل ولست أدري سببا لهذا التناقض، غير أنه من المؤكد أن سفر الملوك الأول كتب قبل العثمانيين. ويقال أن إنجيلي لوقا ويوحنا كتبا في القرون الأولى الميلادية . وكل هذه استعملت وحدة الرطل. فكيف يستقيم هذا مع القول أن وحدة الرطل لم تنشأ إلا في العصر العثماني، كدلالة على حداثة إنجيل برنابا.

وقالوا إن إنجيل برنابا كثر فيه السباب ، وأتساءل إذا كانت كلمة أحدهم كفيلة أن تدفع بك لمظنة التهمة القاتلة ألا يكون السب هو أقل ما يمكن أن تعمله؟ لقد طلب أناس من المسيح عليه السلام أن يشفيهم ، ويعني هذا أنهم يظنون أنه قادر على شفائهم، والمفترض أنهم يعلمون أن الله هو الشافي، كما هو واضح من مزمور 103: 3 "الذي يغفر جميع ذنوبك الذي يشفي كل امراضك"، فهل يظنونه إلها؟ لو ظنوه إلها فسيعبدونه وسينال هو الموت الأبدي إذا وافقهم على ما يظنون، ولكن على الأقل فإنه بعدل الله لا بد أن يسأل في يوم الدينونة، ومجرد السؤال، رغم براءته أمر مرعب. وليس إنجيل برنابا فقط هو الذي يحتوي على مثل هذه الشتائم. نجد في متى 8: 26 يقول لتلاميذه" يا قليلي الإيمان " ، وفي متى 14: 31 يقول لبطرس "يا قليل الإيمان" وفي متى 16: 8 ، 9 يقول لتلاميذه "يا قليلي الإيمان .. أ حتى الآن لم تفهموا" . بعد أن وصف تلاميذه بقلة الإيمان نعتهم بعدم الفهم ليس هنا فقط بل نجد في متى 15: 16 "هل أنتم حتى الآن أيضا حتى الآن غير فاهمين" الكل لا يفهم حتى تلاميذه. ونجد في لوقا 8 : 25 يقول لتلاميذه "أين إيمانكم" ، أما كل شعب إسرائيل فماذا يقول عنه "جيل شرير فاسق" (متى 16: 4) ، "لأنهم مبصرين لا يبصرون وسامعين لا يسمعون ولا يفهمون ..لأن قلب هذا الشعب قد غلظ ...." . وفي متى 16: 23 يقول لبطرس " اذهب عني يا شيطان أنت معثرة لي" .

وأغرب ما يعيبون به على برنابا أنه يكثر من الصلاة بسبب وبدون سبب!! والرد على هذا يأتي في إنجيل برنابا ففيه على لسان المسيح (عليه السلام) في فصل 108 "فالنفس التي تسهر إنما هي التي ترى الله في كل شيء وفي كل مكان وتشكر جلالته في كل شيء وعلى كل شيء وفوق كل شيء عالمة أنها دائما في كل لحظة  تنال نعمة ورحمة من الله."، وما يقال عن السهر يقال عن الصلاة، فلما كنا ننال في كل لحظة نعمة ورحمة من الله وجب أن نصلي له أيضا في كل لحظة. وهو ما لا يمكننا إلا بعون شديد من الله، ربما أعطاه لأصفيائه، ولكن علينا على أي حال أن نحاول. في لوقا 21: 36 "اسهروا إذا وتضرعوا في كل حين لكي تحسبوا أهلا للنجاة". ونجد في لوقا 11: 9 "وأنا أقول لكم اسألوا تعطوا.اطلبوا تجدوا."، كما نجد لوقا 18: 1 "وقال لهم أيضا مثلا في أنه ينبغي أن يصلّى كل حين ولا يمل.". لقد قال المسيح (عليه السلام) ذلك لنعمل به وليس للعلم به فقط.

ويعيبون على إنجيل برنابا أن المسيح عليه السلام أنكر أنه المسيح ، والصحيح أنه أنكر أنه مسيا ولكل منهما في إنجيل برنابا مفهوم مختلف فالمسيح رسول لبني إسرائيل ومسيا رسول لجميع قبائل الأرض . وقد أثبت أن عيسى (يسوع)  ieSsu  هو  christo  وأن هناك نبي آخر أسماه  meSsia  ، هكذا كتبت الأسماء في المخطوط وعلى الأقل فإن اسم ieSsu  اسم علم ولكن يبدو أنهم آنذاك لم يكونوا يستعملون الحرف الكبير Capital letter  في بداية الأسماء. وإنكار المسيح نفسه نجده أيضا في متى 16: 20 " أوصى تلاميذه أن لا يقولوا لأحد أنه يسوع المسيح" ، كذا نجده في مرقس 8: 29 " فقال لهم وأنتم من تقولون أني أنا فأجاب بطرس وقال له أنت المسيح فانتهرهم كي لا يقولوا لأحد عنه"  . كذا نجده انتهر الشياطين عندما قالت أنه المسيح ابن الله وذلك في لوقا 4: 41 . ونلاحظ اختلاف الصياغة والرد في مرقس 8: 29 ، عن متى 16: 20 ففي الأولى لم يذكر بطرس كلمة "ابن الله " ولكنه ذكرها في متى. كما نلاحظ أنه على قول متى طوَّبه ولكن لم يلبث بعد بضع جمل أي في الجملة 33 من نفس الإصحاح يقول له "اذهب عني يا شيطان" ، كذا في مرقس 8 : 33 يقول لبطرس نفس الجملة، بفارق 4 جمل فقط. وهناك جمل في العهد الجديد تثبت أن المسيح عليه السلام لا تنطبق عليه صفات المسيا، ولكن ليس هذا أوانها. ونعلم أن النبوءات التي تكلمت عن المسيح عليه السلام في نسخة الملك جيمس أوردت كلمة anointed  ولم يرد لفظ  Messiah  إلا في سفر دانيال 9 : 25 ، و9: 26 ، مصحوبا بكلمة الأمير the Prince  . فبينما كلمة anointed  مكتوبة بالحرف الصغير أي أنها وصف فإن النبوءة في دانيال تتحدث عن اسم شخص بدليل استعمال الحروف الكبيرة. وترجمتها في العربية "المسيح الرئيس" ، ففي إنجيل برنابا  ينفي المسيح عليه السلام أنه المسيح الرئيس الذي جعل له اسم Messiah.

وأكتفي بهذا القدر الآن علاوة على نقاط أخر وردت في تحقيق إنجيل برنابا و Barnabas verification.

وختاما أكرر أن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ، وأتمنى أن نتوصل جميعا للحق.

 

السابق