نشرت بجريدة عقيدتي بتاريخ 25 /11 /1997

 

بسم الله الرحمن الرحيم  

 

                              معجزة الاسراء والمعراج

                                 كان يجب أن تكون

 

امتازت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم بأنها اعتمدت على الأسلوب العقلى فى الاقناع بدين الله0فقد أنزلت هذه الرسالة بعد أن وصلت البشرية الى درجة النضج المناسب لذلك ، وكانت معجزتها الرئيسية هى القرآن الكريم ، كتاب من الله حفظت آياته من كل تحريف ليظل  منذ انزاله والى أن يرث الله الأرض ومن عليها ولا يوجد من يشك أن الذى تلاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه من قرابة أربعة عشر قرنا هو بنفس نصه الموجود لدينا الآن0

وكادت تخلو رسالة النبي صلى الله عليه وسلم من المعجزات المادية ، والتي ينتهى أثرها بانتهاء وقتها ثم يتواتر خبرها بعد ذلك ما شاء الله تعالى 0

ويجد المتتبع للمعجزات المادية والتى حدثت على يد أنبياء الله عليهم السلام الذين سبقوه أنها تشبه المتعارف عليه لدى الناس فى عصرهم من ناحية الشكل ، وان خالفتها فى المضمون بما لا يدع مجالا  للشك فى انها من لدن الله تعالى ، وان كانت تفوق المتعارف عليه فى قوتها 0فقد كان السحر شائعا فى عصر موسى عليه السلام فكان لمعجزاته شكل السحر وما هى بسحر بل تغيير لواقع ملموس وليس تغييرا لتصور هذا  الواقع كما فى حالة السحر 0 وكان التطبيب والعرافة  شائعين فى عصر المسيح عليه السلام فكانت معجزاته بذات المظهر وان كانت فى حقيقتها ــ  التى آمن بها من هدى الله ــ لا يمكن ان تكون نوعا من التطبيب أو العرافة 0

اما عن معجزة الاسراء والمعراج فانها تفارق فى الشكل والمضمون الشكل المتعارف عليه بين الناس  فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم ، حتى  أن أقرب الناس اليه شك فى امكانها الى أن علم من صاحبها أنها حدثت  "لئن كان قاله فلقد صدق" ،فقد كانت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم دليلا على المعجزة وليست المعجزة دليلا على نبوته كما حدث بالنسبة لباقى النبوات 0 قال أبو بكر  رضي الله عنه عندما بلغه خبر هذه المعجزة  "لئن كان قاله فلقد صدق ـ فما يعجبكم  في ذلك ؟   فوالله انه  ليخبرني الخبر ليأتيه من السماء الي الأرض  في ساعة من ليل أو نهار  فأصدقه . فهذا أبعد مما تعجبون منه " .  فقد كانت المسافة المعلومة آنذاك من الرحلة "الاسراء " تحتاج الى  زمن  يفوق بضع آلا ف المرات  الزمن  الذي وصفته الأحاديث  ، فما بالكم بالمعراج  والذي  لم يكن يخطر على قلب انسان حال حياته صلى الله عليه وسلم  . فلم يكن من المتصور آنذاك  أن يطير الانسان ولم يفكر الانسان في الطيران الا بعد ذلك ببضع قرون .

ويرجع السبب في ذلك أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ليست محلية  فلم تطلق أي  من البلاد العربية حتى الآن صواريخا  "للفضاء"  ، مما يجعل التحدي قائما لبلاد أخري، وأنها  الرسالة الخاتمة الى يوم الدين . لذا ينبغي أن تكون المعجزة التي يقوم بها  النبي صلى الله عليه وسلم ملجمة لألسنة كل البشر طوال هيمنة رسالته ، فكان لابد أن تكون لمعجزته صلى الله عليه وسلم قوة المعجزة حتى يوم الدين .

والعصر الذي نعيش فيه  الآن يدخل اذاّّ  ضمن نطاق   هذه الهيمنة  ، وهو يسمى عصر السرعة أو عصر الفضاء ،  ولذا وجب  أن تظل المعجزة معجزة حتى في عصرنا وحتى يوم القيامة  ويقول الله تعالى " يا معشر الجن والانس ان استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فأنفذوا  لا تنفذون الا بسلطان * فبأي آلاء ربكما تكذبان *  يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران "(سورة الرحمن : 33 ـ35 ) ، لقد نفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقطار السماوات  ثم منعت السماء بحراسة  شديدة وبشهب " وأنا  لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا  وشهبا " (سورة الجن :8 )  كما توضح الآيات  السابقة ذلك .  وينبغي  أن يكون مفهوما  أن ما تم حتى الآن  من سفر بالصواريخ  بالمقارنة بالمعراج   لا يعدو  أن يكون  حبو طفل رضيع عند مقارنته  بسرعة الصواريخ ، أو أقل ، ذلك أن أقصي بعد وصله الانسان بصواريخه  لايعدو مسافة 8 دقائق ضوئية في الوقت الذي قطع رسول الله صلي الله عليه وسلم مسافة تقدر بمليارات السنين الضوئية (أي المسافة التي يقطعها الضوء في هاتين المدّتين ) . والمسافة المعلومة لنا من الرحلة (بعد السماء الدنيا ) تزيد عن مليار سنة ضوئية .  عليه  فاذا افترضنا أن المعراج كان للسماء الأولى فقط  و أن المعراج  تم في نحو ساعة  فتكون سرعة الرحلة أكثر من  1000000000× 365 × 24 × سرعةالضوء أي أن سرعتها  كانت 8760 مليار مرة  سرعةالضوء  ولكن الحقيقة   أن الرحلة استغرقت السماوات السبع  وتمت هي والاسراء  في أقل من ساعة  . أي انه يمكن تقدير السرعة التي تمت بها  رحلة الاسراء  والمعراج  بأكثر  من مربع سرعة  الضوء  والأصح أن يقال   أن  سرعتها  لايمكن  أن تخضع لمقاييس بشرية  . وكان  من نتيجة تمام هذه  الرحلة بقدرة الله  أن علم من هدى الله أن الله قادر على ما لايستطيع  البشر والجن وان اجتمعوا أن يفعلوه  . هذا مع لزوم معرفة أن ما صنع البشر انما هو خليقة الله " والله خلقكم  وما تعملون  "  (الصافات :96 ) فقد خلق الله المواد التي صنعت منها الصواريخ  ، كما خلق الطاقة اللازمة  لتحريكها كما خلق البشر ومنحهم من العلم والتفكير ما أمكنهم من صناعتها .

 ووصف بعضهم للرحلة على أنها كانت بالنفس فقط  انكار للمعجزة  ككل فما هي المعجزة اذا لم ينتقل فعلا رسول الله  صلى الله عليه وسلم  بنفسه وجسده معا . وانكار لما أورده القرآن الكريم صراحة " ما زاغ البصر وما طغى * أفتمارونه على ما يرى " متى كانت للنفس  بصر يرى ؟!

  نعم كان يجب أن تتم معجزة الاسراء والمعراج  بالنفس والجسد وبالسرعة التي وصفت  ليعلم الجميع أن الله قادر على ما منع البشر من انجازه ، ولتكون للنبي صلى الله عليه وسلم معجزة تظل معجزة حتى  بعد مرور أكثر من أربعة عشر قرنا  والى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا .

 وترتبط معجزة الاسراء  بصلاة النبي صلى الله  عليه وسلم  اماما  بأنبياء الله وقد ورد في انجيل برنابا  فصل 84 من 1 ـ 3  ما نصه " لنشكر الله  لأنه  وهبنا هذه الليلة  رحمة عظيمة . لأنه أعاد الزمن  الذي يلزم أن يمر في هذه الليلة   اذ قد  صلينا  بالاتحاد مع رسول الله . وقد سمعت صوته ." . فحيث كانت  سرعة الرحلة  أكثر من سرعة  الضوء  فانها تحركت عكس الزمن  وان كنا لانعرف  كيف والتعبير الوارد شديد الغموض  لحل مشكلة أكثر تعقيدا على مفاهيمنا  وطبعا على مفاهيم عصر المسيح عليه السلام . وان كان انجيل برنابا يربط  هذه الحادثة باليوبيل  ـ وهو الاسم الذي كان يطلق  على الهجرة الجماعية  لبيت الله "القدس " آنذاك   والذي يعتبر البديل  للحج  في سنة أنبياء بني اسرائيل ـ والأ جدر بالاعتبار  أن هذه الحادثة ترتبط  بما رآه المسيح  عليه السلام   وبعض من تلاميذه  ووصفه   انجيل برنابا في الفصل 42  وهوما نصه "فأشرق هناك فوقهم نور عظيم . وصارت ثيابه بيضاء كالثلج  .  ولمع وجهه كالشمس   . واذا بموسى وايليا  قد جاءا  يكلمان عيسى بشأن ما سيحل بشعبنا  وبالمدينة المقدسة . فتكلم بطرس  ... ،فاذا أردت  نضع ثلاث مظال لك واحدة ولموسى واحدة والأخري لايليا .  وبينما   كان يتكلم  غشيته سحابة  بيضاء . وسمعوا صوتا  قائلا  : انظروا   خادمي  الذي به سررت . اسمعوا  له  "  حيث أن الموصوف  ب" خادمي الذي به سررت " هو مسيا  أوالنبي  كما أسمته تلك  النبوة.وقد وردت نفس القصة في انجيل متى  الاصحاح17، وفي انجيل  مرقس الاصحاح  9 ، وفي انجيل لوقا في الاصحاح 9 مع اختلاف بينها في التفاصيل . و لعل هذا  الضوء المبهر هو ماوصفته الأحاديث النبوية بالبراق ، حيث اشتق اسمه من البرق (الضوء الشديد اللمعان ) .                                                                                                                                                                                                                                               

السابق