نشرت بمجلة المجتمع الكويتية بتاريخ 31 /7 /1973

بسم الله الرحمن الرحيم

الدين والأجناس

الدين :

الدين هو الهلاقة بين الله وعباده وهو إذ يأتي معرفا لا يعني إلا العلاقة الحقيقية كما وردت في قوله تعالى " إن الدين عند الله الإسلام "(آل عمران : 19 ) ، ولكنه إذ يرد غير معرف ومنسوبا لبشر ما فإنه يعبر عن عقيدة هذا الإنسان في علاقته بالله ، كمثل قول الله تعالى على لسان نبيه في القرآ، الكريم "لكم دينكم ولي دين "( الكافرون : 6 ).

الجنس :

المعنى اللغوي للكلمة هو النوع أيا كان التقسيم ، ولكنه في علم تقسيم المملكة الحيوانية فإن الإنسان منذ خلق وإلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا يتبع لجنس واحد ، ويقسم هذا الجنس إلى نوعين ـ الإنسان القديم ، والإنساان الحديث ـ وقد ميز علماء هذا النوع من التقسيم النوعين بأن قالوا إن الإنسان الحديث ـ العاقل ـ هو أول من قام بالزراعة ثم تطور بع ذلك إلى التجارة وغيرها من الأنشطة المعروفة اليوم . أما الإنسان القديم فقد كان يتغذى على الصيد والثمار البرية ويعيش في الكهوف الطبيعية أولا ثم في كهوف ينحتتها في أطوار لاحقة قرب تجوله إلى النوع الثاني . أما في علم تقسيم الإنسان فيقسم الإنسان لإلى عدة أجناس رئيسية تنسب لأبناء نوح عليه السلام ـ على ما ورد في العهد القديم (توراة اليهود والمسيحيين ) ـ سام ومن نسله الجنس السامي ، حام ومن نسله الجنس الحامي ... إلخ ، ويقسم الجنس إلى شعوب ويقسم الشعب إلى قبائل .

ويليق بنا أن نستعرض موجزا لهذا التقسيم الأخير ( خاصة الأجناس والشعوب التي تعيش في منطقتنا ) فمن سام ـ بن نوح عليه السلام ـ إبراهيم عليه السلام ولوط عليه السلام ( التكوين 11 : 10 ـ 28 ) . ومن نسل لوط عليه السلام الموابيون والعمونيون ـ بني عمون ـ ( التكوين 19 :37 ،38 ) .

ويلاحظ أن أحد أجداد إبراهيم ولوط عليهما السلام اسمه عابر ( التكوين 11 :15 ـ 17 ). وينسب علماء هذا التقسيم سبب تسمية الشعب العبراني إلى سببين فيرى بعضهم أن السبب هو عبور إبراهيم عليه السلام ومن معه ( وقد كان منهم لوط عليه السلام ) نهر الفرات ، ويرى آخرون أن ذلك نسبة إلى كون هذا الشعب من نسل عابر ، وسواء أكان هذا الرأي أو ذاك سليما فإن إبراهيم ولوط عليهما السلام من الشعب العبراني وقد ورد نص في العهد القديم أن إبراهيم عليه السلام عبراني (التكوين 14 :13 ) ويتبع ذلك أن جميع نسله من هذا الشعب . ومن هنا فإني أجد أن كلمتي عبري وعربي كانتا في الصل كلمة واحدة في اللغة التي كان يتكلم بها كل من إسماعيل وإسحاق عليهما السلام ثم تطورت هذه الكلمة في نسليهما فنطقها بنو إسماعيل ـ عربي ـ ونطقها بنو إسحاق " عبري أو عبراني ".

وما يدلل على هذا الرأي أيضا شيوع حدوث تقديم وتأخير في حروف الكلمات في تطورها اللغوي  ـ للمثال مسرح ومرسح ،يأس وأيس ـ كما يؤكد ذلك أيضا الحديث المننسوب للنبي من أنه هو وإسماعيل وشعيب وصالح وهود من العرب .ومن المؤكد أن صالح وهود سابقان على إبراهيم عليهم السلام . فكأن الشعب العربي يشمل أقواما سابقين على إبراهيم عليه السلام .

والمستفاد مما سبق أن الجنس السامي يشمل كل الشعب العربي والذي يشمل كل الشعب العربي والذي يشمل : 1 ـ نسل إبراهيم ومن نسله (ا ) إسماعيل عليه السلام (ونسله يسمون السامريون[1] في التقاليد اليهودية والمسيحية ).

(ب ) إسحاق عليه السلام وابنيه عيسو ويعقوب (إسرائيل ) عليه السلام .

(ج ) زمران ويقشان ومدان ومدين (قوم شعيب ) ويشباق وشوحا (أبناء  إبراهيم من زوجته الثالثة قطورة على ما جاء في التكوين (25 :1 ،2 )[2].

2 ـ نسل لوط عليه السلام ـ على وجه التأكيد لأنه من نسل عابر ومن الذين عبروا مع إبراهيم نهر الفرات ـ وهم العمونيون والموابيون .

3 ـ نسل الذين صاحبوا إبراهيم ولوط إذ أوضح القرآن الكرييم ظان لوطا لم يكن الوحيد الذي آمن بإبراهيم عليهما السلام ظن بل آمن معه آخرون وهاجروا معه وهم غالبا نسل عابر أيضا .

4 ـ أقوام أخر كقوم صالح وقوم هود ولا يمكن تحديد هذه الأقوام بدقة ولكنها من المحتمل أن تكون من نسل عابر أيضا .

كما يشمل الجنس السامي علاوة على الشعب العربي نسل كل من أشار العهد القديم إلى وجودهم وإن لم يذكر أسماءهم من نسل سام (التكوين 11 : 10 ـ 28 ).

ويبدو أن كل الأنبياء الذين ذكرهم القرآن الكريم من هذا الجنس فيما عدا آدم ونوح عليهما السلام بطبيعة الحال .

أما الجنس الحامي فيشمل الفراعنة والفلسطينيون [3] وسكان أفريقيا القدماء على شئ من التقريب .

وهناك في منطقتنا آثار من أجناس أخرى كالجنس الأصفر وقليل من الجنس الآري كنتيجة للغزوات واستقرار الغازين لفترات مختلفة تزاوجوا فيها مع شعوب المنطقة.

ويعتمد علماء تقسيم الإنسان في تقسيمهم على :

1 ـ العهد القديم وهو بما فيه من تناقضات سواء في العقائد أو الأحداث لا يمكن الوثوق به .

2 ـ المظاهر الخلقية  ـ وللأم تأثير يزيد على تأثير الأب في حالة ولادة الذكور ويساويه في حالة ولادة الإناث ـ ولما كانت الأجناس تنسب للآباء فإنه إذا كانت الأم من جنس آخر غير الأب فالإعتماد على الصفات الخلقية قد ينسبهم لجنس أمهاتهم ، كما أن المظاهر الخلقية يندثر أغلبها بالموت (لون البشرة وطبيعة الشعر ولون العيون .. إلخ ) في حالة دراسة المومياوات أو الهياكل .

3 ـ أماكن الإقامة ، وقد كان الإنسان دائم الإرتحال منذ وجوده على الأرض منذ مليونين من السنين (كما تحددها الدراسات الجيولوجية ) وحتى الآن ، مما يجعل الإعتماد على الأماكن في تحديد الجنس على غير أساس .

4 ـ ما يذكره الناس من أنسابهم ، ويمكن القول أن نسل يعقوب عليه السلام حافظوا على ذكر أنسابهم حتى رسالة المسيح عليه السلام ، ولكنه مع وجود عقيدتين مختلفتين في نفس النسل نسيت الأنساب وأصبح التقسيم يعتمد على الإيمان بالمسيح ـ بصرف النظر عن نوعية هذا الإيمان ـ أو الكفر به أي ناصريين [4]ويهود . وي نبغي الإشارة هنا أنه دخل في عداد اليهود بمفهومهم الحالي أجناي أخرى (قوم سبأ ،الفرعوني الذي آمن بموسى ، سحرة فرعون فنسل هؤلاء يحسبون يهودا ). هذا بينما حافظ نسل إسماعيل  عليه السلام على ذكر أنسابهم إلى رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ، وعندما ألف الله بين قلوبهم نسيت الأنساب إلى حد بعيد اللهم إلا الذين ينسبون أنفسهم لنسل ابنة رسول الله فاطمة رضي الله عنها . وكمه قلنا سابقا فإن الجنس لا ينسب إلى الأمهات بل إلى الآباء ، وقد وردت آية صريحة يقول فيها جل وعلا " ما كان محمد أبا أحد من رجالكم " (الأحزاب : 40 ) .

وقد دخلت في الإسلام برسالة النبي صلى الله عليه وسلم أجناس كثيرة وشعوب مختلفة وبأعداد وفيرة نظرا لأن رسالته صلى الله عليه وسلم للعالمين. ويدخل الخطأ في هذه الطريقة لتحديد الأجناس عمدا عن طريق المفتخرين باطلا بنسبهم لعظماء الرجال ـ أو الأنبياء ـ وسهوا.

ومما سبق نرى بوضوح أن تحديد الأجناس غير موضوعي بالمرة بل مجرد افتراضات وتكهنات لا تصل إلى مستوى الحقيقة.

الجنسية :

 وهي تطلق على مواطني بلد ما يتم تحديد حدوده وفقا لقدرة زعماء هذا البلد الحربيين والسياسيين على زيادة رقعته ، وهي قدرة متغيرة بدرجة كبيرة فلم يثبت التاريخ أن رقعة أي بلد ظلت كما هي فترة أكثر من مئتي سنة . والجنسية لا تحدد أجناسا أو أديانا . فهي إذا أقل موضوعية من الأجناس .

الجنسية الدينية :

وهي تسمية الشيخ محمد عبده للذين ينسبون أنفسهم لرسالة نبي ما سواء كانت نسبتهم هذه حقيقية أم محض افتراء . فإذا رجعنا إلى دين كل الأنبياء لوجدناه واحدا ، إلا وهو الوحدانية المطلقة ، كما سبق وبينت في مقالات سابقة . وأن كل ما اختلف هو المناسك من أيام آدم عليه السلام إلى أيام إبراهيم عليه السلام ، ثم اختلفت صورة المناسك أو اسمها من رسالته إلى رسالة النبي صلى الله عليه وسلم . ولكن البشر تفرقوا في معتقداتهم أيما تفرق ، فمع تقادم كل رسالة ابتعد نسل متبعيها كل في إتجاه حتى وصل بعضهم إلى الكفر والإلحاد ولكنه بحكم كونهم من نسل أحد متبعي رسالة ما فإنهم يسمون أنفسهم باسم فحوى الرسالة أو باسم رسولها . ومثال ذلك أنه قد يسمى شخص ما مسلما ( وهو الاسم الذي يطلق بصفة خاصة على رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ) ولكن واقع علاقته بالله يتبت أنه قد يكون ملحدا أو مشركا أو كافرا أو وثنيا أو لا خلقيا ... إلخ . وقد يسمي الناس شخصا مسيحيا وتكون علاقته بالله علاقة توحيد مطلق له جل وعلا ، أي أنه على الدين الحقيقي للمسيح عليه السلام والذي أسماه الله في القرآن الكريم الإسلام ، فالمسيح مسلم وحواريوه رضي اللله عنهم مسلمون ، وإن أسماهم الناس مسيحيون . وقد يكون هناك معاصرين جنسيتهم الدينية المسيحية ولكن دينهم هو الإسلام ضاع ذكرهم لقلة عددهم . ولا يستحيل أن نجد يهوديا يدين بالتوحيد المطلق قلبا وقالبا . فدينه إذا يكون الإسلام أما جنسيته الدينية فهي اليهودية. فالجنسية الدينية إذا لا تعبر عن عقيدة صاحبها فهي إذا غير موضوعية أيضا .

من جميع ما سبق نجد أن دين شخص ما هو كيان موضوعي له يليق أن يحاسب عليه لأنه بمحض إختياره أما جنسه أو جنسيته أو جنسيته الدينية فلا يليق أن يحاسب عليها لقلة موضوعيتها من جهة ولعدم مسئوليته عنها من جهة أخرى .كما أن الله لا يفضل شعبا على شعب ولا قبيلة على قبيلة فكلهم عباده ولكن الله يفضل منهم الذين يتقونه ، يقول الله تعالى " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم "( الحجرات :13 ) . لقد خلق الله الشعوب والقبائل لتتعارف لا لتتقاتل وما أكثر ما يبغض الله القبلية والحروب التي تنشأ في سبيلها . وما أشد ما يحب القتال في سبيل الدين.

 

                                                                               


 

[1] هي ما ينتشر على الألسنة وإن لم يتضح مصرها

[2] قد ورد في بعض التقاليد أن الإسبرطيين من نسل إبراهيم

[3] الكنعانيون في التقاليد اليهودية والمسيحية .

[4] نسبة للناضرة التي عاش فيها المسيح عليه السلام ، أو نسبة لقول الحواريون نحن أنصار الله ومن هذه أو تلك النصارى كما يسميهم القرآن الكريم دائما ، ولا علاقة لهذا الإسم بالمذهب السياسي المعاصر ، وعندما بشر بولس الأمم فإن الناصريين سموا مسيحيين ، وقد كان ذلك في القرن الأول الميلادي .

 

 

السابق