نشر هذا الجزء من مقالة لي ضمن مقالة رسالة من أم فلسطينية بقلم الأستاذ عزت السعدني وأضاف من عنده مشوقات صحفية تم كتابتها هنا بالخط الأندلسي. وذلك بتاريخ 23 /12 /2000 ثم أعيد نشرها بجريدة القدس بتاريخ 28 /12 /2000

بسم الله الرحمن الرحيم

يدخل علينا سيف الله فاضل الباحث الإسلامي المدقق في دراسة الأديان ثائرا

 قائلا هناك كثيرا من الأخطاء يقع فيها الكتاب والمؤرخون .. فاليهود يعلنون أن أرض الميعاد من النيل إلى الفرات من حقهم شرعا ودينا ، وهذا خطأ تاريخي وديني فادح .. وأجد لزاما علي في البداية إيضاح المقصود بالمفردات المستعملة حتى لا يحدث خلط في المعاني .. فالمراد ببني إسرائيل نسل يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم جميعا السلام . وقد تسمى يعقوب عليه السلام باسم إسرائيل عندما وهب النبوة .. ومعنى لفظ إسرائيل عبد الله . أما إسماعيل عليه السلام فهو الابن البكر  لإبراهيم عليه السلام ، وهو أخو إسحاق وعم يعقوب عليهم جميعا السلام.ويطلق اسم إسرائيل في نصوص العهد القديم ( وهو ما يؤمن به اليهود والمسيحيون على حد سواء باعتباره سيرة الأنبياء حتى نبوءة زكريا عليه السلام) على يعقوب عليه السلام كما يطلق على جميع نسله.

أما اليهود فهي تسمية عقائدية نشأت بعد الخروج من مصر ، وسبب نشأتها أنه لما تعجل موسى عليه السلام للقاء ربه في سيناء وترك بقية بني إسرائيل بصحبة هارون عليه السلام أضلهم السامري فعبدوا العجل الذهبي وعندما أعلم الله موسى عليه السلام بذلك ارتد على قومه وحاربهم فهادوا "أي عادوا " لعبادة الله الذي لا إله إلا هو فسموا لذلك يهودا فموسى عليه السلام لم يكن يوما يهوديا بل كان من مولده لمماته مسلما لله " مخلصا في عبادته بدون شريك " ولم يكن بني إسرائيل عند ذلك سوى عشيرة منقسمة إلى إثنتا عشر ذرية (بعدد أولاد يعقوب عليه السلام وتسمت كل ذرية باسم أبيها) وكما يقول القرآن الكريم " فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه "(يونس : 83 ) ، وهم ذرية لاوي والتي منها موسى وهارون عليهما السلام ، وكما يفهم من العهد القديم فإن هذه الذرية حاربت باقي بني إسرائيل وانتصرت عليهم ، وهذه المعركة هي التفسير الصحيح لقوله تعالى " فتوبوا إلى الله بارئكم فاقتلوا أنفسكم "(البقرة :54 )، فليس من المعقول أن يؤمروا بالانتحار ، ولكن قتل قومهم كان في هذا الوقت يعتبر قتلا لأنفسهم. إلا أن مملكة إسرائيل انقسمت فيما بعد إلى مملكتين المملكة اليهودية وكان أهلها سبط لاوي ويهوذا الذي كان من نسله داود وسليمان عليهما السلام، وقد اعتبر هذان السبطان أنفسهما أحسن من باقي الأسباط نظرا لأن النبوات كانت فيهما ، ومملكة إسرائيل وأهلها باقي الأسباط.

أما المقصود بالعهد فهو العهد أو العهود التي أعطاها الله تعالى لإبراهيم عليه السلام. وهناك إجماع أن إسماعيل هو بكر إبراهيم عليهما السلام ففي العهد القديم أنه ولد ولإبراهيم ستة وثمانون سنة (تكوين 16 :16 ) وأن إسحاق ولد ولإبراهيم مائة سنة (تكوين 21 :5 ).

وفي القرآن الكريم " رب هب لي من الصالحين * فبشرناه بغلام حليم * فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين * فلما أسلما وتله للجبين * وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين * إن هذا لهو البلاء المبين * وفديناه بذبح عظيم * وتركنا عليه في الآخرين * سلام على إبراهيم * كذلك نجزي المحسنين * إنه من عبادنا المؤمنين * وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين *وباركنا عليه وعلى إسحاق " ( سورة الصافات :100 - 113 )، والمراد بالغلام الحليم إسماعيل عليه السلام ـ أي أنه البكر ـ وتشير الآيات إلى أن الله جازى على أنه رضي بتقديم ابنه البكر الوحيد عند ذاك للذبح وبدأ فعلا بالتنفيذ ، بأن حفظ عليه ابنه وفداه بذبح عظيم ، وأمرنا بالدعاء له في كل صلاة ـ حيث أن المسلمين هم المعنيون بقوله تعالى (الآخرين ) حيث نقول "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .. " في نهاية كل صلاة ، وبشره بإسحاق عليه السلام ، كما بارك عليه فجعل من نسله النبي صلى الله عليه وسلم ، وبارك على إسحاق فجعل من نسله يعقوب ومن نسل الأخير يوسف عليه السلام ـ الوحيد من بني البشر الذي هو نبي ابن نبي ابن نبي ابن نبي ـ علاوة على أنبياء أخر عليهم جميعا السلام .

نسأل متى جاء أول ذكر للعهد ؟

الجواب :

يأتي أول ذكر لعهد في العهد القديم في سفر التكوين 13 :14 ، 15 " وقال الله لابرام .. إن جميع الأرض التي تراها لك أعطيها ولنسلك إلى الأبد ، وفي سفر التكوين 15 :4 - 18 " فإذا بكلام الرب إليه قائلا لا يرثك هذا بل من يخرج من صلبك .. فآمن إبراهيم فحسب له برا .. فقال اللهم يا رب بماذا أعلم أني أرثها . فقال خذ لي عجلة ثتية وعنزا ثنية وكبشا ثنيا ويمامة وحوزلا ، فأخذ له جميع هذه وشطرها أنصافا ثم جعل كل شطر قبالة صاحبه .. فلما غابت الشمس وخيم الظلام إذا بتنور دخان ومشعل نار سائر بين تلك القطع في ذلك اليوم بت الرب مع ابرام عهدا قائلا لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات " ، ويبدو أن هذه الواقعة هي ما ذكره القرآن الكريم عندما طلب إبراهيم عليه السلام من الله تعالى أن يريه كيف يحيي الموتى فأمره أن يقطع طيرا ويجعل كل جزء منها على جبل ثم يدعوها فتأتيه في (البقرة : 260 ) ويذكر العهد القديم أن إبرهيم عليه السلام كان إسمه ابرام  وفي سفر التكوين 17 :4 - 21 " لما كان ابرام ابن تسع وتسعون سنة .. وقال له أنا الله القدير اسلك أمامي وكن كاملا فأجعل عهدي بيني وبينك .. وأقيم عهدي بيني وبين نسلك من بعدك .. وأعطيك أرض غربتك لك ولنسلك من بعدك .. وأكون لهم إلها . وأنت فاحفظ عهدي أنت ونسلك من بعدك مدى أجيالهم .. هذا هو عهدي الذي تحفظونه .. ابن ثمانية أيام يختن منكم كل ذكر مدى أجيالكم المولود في منازلكم والمشترى بفضة من كل غريب ليس من نسلكم يختن المولود في بيتك والمشترى بفضتك فيكون عهدا مؤبدا . وأي أقلف من الذكور لم تختن القلفة من بدنه تقطع تلك النفس من شعبها إذ نقض عهدي .. سارة إمرأتك ستلد لك ابنا وتسميه إسحاق .. في هذا الوقت من قابل " ويفهم من هذا أن العهد تم قبل ميلاد إسحاق عليه السلام مما يدل أن المقصود به هو إسماعيل عليه السلام ، كما أن العهد ليس مطلقا بل مشروطا فشرطه المبدئي أن يكون إبراهيم ( عليه السلام ) كاملا ، وأن يتخذ الله له إلها هو ونسله من بعده وأن يختن ذكورهم وذكور الغرباء فمن لم يختتن سواء كان من نسله أو من الغرباء يخرج من عداد شغب الله ، ومن يتبع الشروط الواردة بالعهد يظل في شعب الله  وإن لم يك في نسل إبراهيم عليه السلام .

ويذكر القرآن الكريم تزامن البشارة بإسحاق مع تدمير قوم لوط ( الحجر: 51 60 ) وهو ما نجده أيضا في سفر التكوين 18 :10 19 على لسان الملائكة الذين أرسلوا لتدمير قوم لوط " في مثل هذا الوقت من قابل وسيكون لامرأتك ابن ... فقال الرب أ أكتم عن إبراهيم .. وإبراهيم سيكون أمة كبيرة مقتدرة ويتبارك به جميع أمم الأرض .. وقد علمت أنه سيوصي بنيه وأهله من بعده بأن يحفظوا طريق الرب ليعملوا البر والعدل حتى ينجز الرب لإبراهيم ما وعده به " أي أن هذا النص أيضا يؤكد كون العهد قد منح قبل ميلاد إسحاق عليه السلام وارتباط هذا العهد بعمل البر والعدل.

وفي سفر التكوين 22 : 16 ـ 18 بذاتي أقسمت يقول الرب أني من أجل أنك فعلت هذا الأمر ولم تمسك وحيدك أباركك مباركة وأكثر نسلك تكثيرا كنجوم السماء وكالرمل الذي على شاطئ  البحر ويرث نسلك باب أعدائه ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض . من أجل أنك سمعت قولي " والمراد من ذلك أن الله سيبارك نسله ويبارك به كل قبائل الأرض لأنه رضي بتقد يم ابنه الوحيد للذبح وهو ما لا يمكن أن يكون إلا إسماعيل عليه السلام قبل ولادة إسحاق وأن العهد كان جزاء له على ذلك.

وصدق الله العظيم عندما سمى الحادثة بالبلاء المبين ، فقد قدم إبراهيم عليه السلام ابنه الوحيد للذبح ، والذي لا يرجو له من عوض فقد بلغت زوجتاه هاجر وسارة رضي الله عنهما سن اليأس وكانت إحداهما عقيما ـ سارة ـ وقد شاخ وطعن في السن ، امتثالا لأمر الله تعالى لذا منحه الله تعالى هذا الجزاء العظيم في الدنيا بخلاف جزائه في الآخرة ، ولا ينتقص من ذلك ما نص عليه سفر التكوين 22 :3 " خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق " فمن غير المعقول أن يحب رجل أحد أبنائه دون الآخرين ، ناهيك عن أن يكون هذا الرجل نبيا في مثل قدر إبراهيم عليه السلام ، بل من الواضح من تكوين 17 :18 " لو أن إسماعيل يحيا بين يديك "، مدى حب إبراهيم لابنه إسماعيل عليهما ، كذا لو كان لإبراهيم ابنان أمر بذبح أحدهما فلن  يكون لما فعله نفس المعنى لكونه أقدم على ذبح ابنه البكر الوحيد ومع ملاحظة أنه على حسب ما جاء في تكوين 18 فإن الله بشره بأنه سيكون أمة مقتدرة ويتبارك به جميع الأمم قبل ميلاد إسحاق فإذا كان الله قد أمره بعد ذلك بذبح إسحاق "عليه السلام "فهناك كان سيعلم إبراهيم بأن الله سينقذ إسحاق بطريقة أو ما فلا مجال للخوف فلا احتمال أن يموت إسحاق ذبحا أو بأي طريقة  أخرى قبل أن يكون له نسل وبالتالي فإنه ليس ثمة ابتلاء فيما فعل إبراهيم ليستحق عليه الجزاء العظيم فالأجدر بالظن أن كلمة إسحاق مضافة للنص وأن الموقع الأصلي للحدث سابق على العهد المثبت في سفر التكوين 17 وأنه عدلت بعض ألفاظه ، وكل هذا يشير إلى أن العهد إنما صنع بإسماعيل وأن من نسله النبي الذي يبارك به الله قبائل الأرض والموعد بالأرض " في ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام ميثاقا قائلا " لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير الفرات ، أي أنه محمد صلى الله عليه وسلم وقد تمت النبوءة فعلا .

يسأل مولانا من أين أتى اليهود أن العهد خاص ببني إسرائيل وحدهم؟ الجواب : لا ندرى.

.ٍوحتى لو صحت نسبة ما في العهد القديم لأنبيائهم فأين أبناء إسحاق الآخرين ( أبناء عيسو توءم يعقوب وآخرين أشار إليهم سفر التكوين: 31 :37 و46 ، بل وهناك سؤال آخر لا يقل أهمية :من هم بني إسرائيل الآن ؟

أرسل المسيح عليه السلام لجميع بني إسرائيل وليس كما يفهم من ظاهر النص " لم أرسل إلا إلى الخراف الضالة من آل إسرائيل "(متى 15 :14 ) واعتبره كهنة اليهود وكتبتهم وفريسيوهم ـ رجال دينهم مارقا.وظنوا أنهم هم المهتدون فاستعدوا عليه الرومان وطالبوا بقتله  ، ورغم عنادهم فإن الله نصره وآمن به شعب إسرائيل في مجمله فيما عدا سبط يهوذا والذي ظن خاطئا أنه المدافع عن دين موسى عليه السلام ، يستدل على هذا من أن المسيح عليه السلام تنبأ باللعنة  على أورشليم وهي محل إقامة هذا السبط دون غيره " يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها كم مرة أردت أن أجمع بنيك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها فلم يريدوا ، هو ذا بيتكم يترك لكم خرابا " (لوقا 13 : 34 ، 35 ) وفي إنجيل لوقا 21 : 20 ـ 25 " ومتى رأيتم أورشليم محاطة بجيوش فحينئذ اعلموا أنه قد اقترب خرابها حينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال والذين في وسطها فليفروا خارجا .. ويقعوا بفم السيف ويسبوا إلى جميع الأمم .. وتكون علامات في الشمس .." وهو هنا يوضح أن هذه المعركة ستكون قبل قيام الساعة (يوم الدينونة ) مباشرة .

وعندما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم دخلت الغالبية العظمى من سكان المناطق التي كان بها بنو إسرائيل في الإسلام فهم اليوم مسلمون.

وقد أبرز المسيح عليه السلام في رسالته أن البنوة التي تحدث عنها من سبقوه لإبراهيم لا تعني البنوة التي تنشأ بالتناسل بل باتباع أعمال إبراهيم ( عليه السلام ) : " أنا عالم أنكم ذرية إبراهيم .. فأجابوا وقالوا له أبونا هو إبراهيم . قال لهم يسوع لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم . ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله هذا لم يعمله إبراهيم أنتم تعملون أعمال أبيكم .. أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا "( يوحنا 8 : 37 ـ 44 ).

 

                                                             

السابق