نشرت بمجلة البلاغ بالكويت بتاريخ   /  / 1973

بسم الله الرحمن الرحيم

هل الإسرائيليون هم بني إسرائيل

تبدو الإجابة المنطقية على هذا السؤال نعم ولكن هذا غير صحيح أما كيف ؟ فهذا ما أحاول شرحه هنا .

القصة من أولها:

منذ بضعة آلاف من السنين ولد لنوح عليه السلام سام وحام ويافث ، ومن نسلهم كل البشر الآن حيث أغرق من عداهم من بشر في هذا التاريخ السحيق .

ومن نسل سام ابن نوح عليه السلام عيلام وأشور وأرفكشاد ولود وأرام . ومن نسل أرفكشاد عابر والذي كون قبيلة باسمه (بني عابر ) " العهد القديم سفر التكوين 10 :21 ". والأرجح لدي أنه من اسمه أشتقت كلمتي عربي وعبراني. ففي حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن هودا زصالحا عليهما السلام من العرب . ومن المؤكد أن كلا النبيين يسبقان إبراهيم عليه السلام تاريخيا .فهما النبيان التاليان لنوح عليه السلام مباشرة.ولا نجد في العهد القديم ما يشير إلى وجودهما ولا نسبهما. أما سبب تحول لفظ عابر إلى عربي أو عبراني فراجع للتطور اللغوي عبر أكثر من عشرة آلاف من السنين .وهذا النوع من التطور في اللفظ شائع (سبق حرف على حرف ) فمثلا مرسح تحولت إلى كلمة مسرح وكلمة أيس تحولت إلى كلمة يئس . ولقد نص العهد القديم على أن إبراهيم عليه السلام عبراني (سفر التكوين 14 :13 ) . وفي الحديث المنوه عنه أن إسماعيل عليه السلام عربي ، إذا فمن المؤكد أن جميع نسل إبراهيم عليه السلام عرب أو عبريون .

ومن نسل عابر  أيضا القبائل التي سكنت جنوب شبه الجزيرة العربية (سبأ وحضرموت وغيرهما ) وحسب مقالة العهد القديم فإن لإبراهيم أخوين هما ناحور وهاران ومن نسل هاران ولد لوط عليه السلام.

والرأي الثاني لسبب تسمية العبرانيين هو عبورهم نهر الفرات وسواء كان أي الرأيين صحيحا فمن المؤكد أن إبراهيم ولوطا عليهما السلام عربيان.

ولم يهتم القرآ، الكلايم بذكر الأنساب نظرا لعدم قيمتها مما لم يترك لنا مرجعا للتأريخ لها إلا العهد القديم في هذه الحقبة من تاريخ البشرية .(عصور ما قبل التاريخ ) ولا يجهل إنسان أن لإبراهيم عليه السلام ابنان أكبرهما هو إسماعيل عليه السلام وثانيهما إسحاق عليه السلام ، والذي ولد له يعقوب عليه السلام . وقد كان اسم يعقوب عليه السلام قبل النبوة إسرائيل.

وفي العهد القديم يعبر عن جميع نسله باسمه فإذا كان الخطاب : "إسمع يا إسرائيل " يكون المراد جميع نسله. بينما يعبر القرآن الكريم عن نسله ببني إسرائيل . إذا هؤلاء هم بني إسرائيل نسل يعقوب عليه السلام . وليعقوب عليه السلام ولد إثنى عشر ابنا هم : راؤبين وشمعون ولاوي ويهوذا ودانا ونفتالي وجادا وأشير ويساكر وزوبولون ويوسف عليه السلام وبنيامين. ونسل كل واحد منهم أصبح سبطا فأصبح بنو إسرائيل إثنى عشر سبطا .

وموسى وهارون عليهما السلام ابنا عمرام (عمران في القرآن الكريم). وهو من سبط لاوي على حسب نا في العهد القديم.

ورغم أن الشائع أن الفرعون الذي تحدث عنه القرآن الكريم والعهد القديم والذي عاصر موسى عليه السلام هو رمسيس الثاني أو ابنه منفتاح فإني أرى أن الفرعون الذي حاول قتل بني إسرائيل فأغرقه الله تعالى هو تحتمس الثالث.. ويستدل على ذلك من أن تبشير أخناتون بالوحدانية بعده وأحسبه هو ذلك الفرعون الذي آمن بموسى عليه السلام (سورة غافر :28 ـ35 ) ولكن لما كان الفراعنة غارقون في وثنيتهم ، فإنهم ما لبثوا أن ظنوا أن عصا موسى عليه السلام هي التي أدت المعجزات فعبدوها هي والثعابين المقدسة التي نتجت عنها في عصر الفرعون التالي لإخناتون مباشرة (توت عنخ آمون ) .وإذ يحتسب اليهود الفرعون الذي عاصر خروج بني إسرائيل من مصر يحسبونه تحتمس الرابع، ولكن الخطأ راجع إلى تغييرهم تقويمهم أكثر من مرة طبقا للطقوس الوثنية بدلا من التقويم القمري ، الذي اختاره الله تعالىلتوقيت عباداته (الصيام والحج ) . مما أحدث هذا الفرق ، وهناك قرائن أخرى على أن الفرعون الذي عاصر الخروج غرقه هو تحتمس الثالث ولكن لا مجال هنا لتفصيلها . ولم يؤمن لموسى من قومه بني إسرائيل إلا أحد الأسباط ولعله سبط لاوي (سورة يونس :83 ) فما أن أنجى الله تعالى بني إسرائيل من بأس فرعون الباغي حتى راحوا يبحثون لأنفسهم عن إله غير الله فعبدوا عجل السامري (أحسبه البقرة حتحور التي عبدها الفراعنة في عصر توت عنخ آمون) فحاربهم موسى عليه السلام ومن معه فهادوا إلى دين الله (هاد أي عاد ) وأحسب أن ذلك سبب تسميتهم يهودا .

السامريون وسبط يهوذا ولاوي

ولكن ما أن مات موسى وأخيه عليهما السلام حتى عادوا لكفرهم القديم فأرسل الله لهم النبوة تلو النبوة علهم يرتدعوا عن غيهم فما كان منهم إلا أن قتلوا من الأنبياء من قتلوا ،وكذبوا من كذبوا . ولكن طوال هذه الفترة من تاريخ البشرية كانت منهم صفوة مختارة مخلصون لله فاطر السماوات والأرض . ومن أنبياء هذه الفترة داود وسليمان عليهما السلام . وأوتي داود عليه السلام الزبور . وبتوراة موسى وبزبور داود (سفر المزامير ) بشر ابنه سليمان عليه السلام مملكة سبأ وهم كما سبق إيضاحه عرب من غير بني إسرائيل ولا بني إسماعيل ، فأصبحوا يهودا . وقد كان بنو إسماعيل عليه السلام آنذاك يعبدون الله اتباعا لوصية أبيهم إسماعيل ، ولكن بعضهم انحرف إلى عبادة الأصنام مع احتفاظهم بأداء المناسك التي سنها الله. يعلمون أن هناك نبيا سيرسله الله تعالى من نسل إسماعيل . ويطلق العهد القديم والعهد الجديد (كتاب المسيحيين ) لقب السامريين على بني إسماعيل عليه السلام.

وقد كان داود عليه السلام من سبط يهوذا واختار عاصمة لملكه القدس . وقد امتد ملكه في حياته حتى شمل فلسطين كلها . وسكن بنو إسرائيل في أرض فلسطين . واختار كل سبط منهم جزء منها فكان سبط لاوي في الناصرة وكان سبط يهوذا في القدس (أورشليم ) وما حولها .

وتمر الأيام ويرسل الله تعالى زكريا عليه السلام نبيا من الصالحين من سبط لاوي من نسل عمران ومن نسل عارون عليه السلام كما يقول الكتاب المقدس للمسيحيين .

ورزق زكريا عليه السلام بعد أن بلغ من الكبر عتيا ومن إمرأته العاقر  بيحي عليه السلام (يوحنا المعمدان ) . وقد كانت هذه بشارة بانتقال النبوة من سبط يهوذا إلى سبط لاوي . ومقدمة لمعجزة أقوى من الله القادر على كل شئ بأن يخلق من العذراء مريم عليها رضوان الله فضلى نساء العالمين قاطبة، المسيح عيسى بن مريم عليه السلام رسولا مكرما في الدنيا والآخرة. ومؤيدا بجبريل عليه السلام.

محاربة عيسى عليه السلام

ولكن سبط يهوذا القاطنين إذ ذاك في أورشليم بدلا أن يمدوا يد العون للمسيح عيسى بن مريم عليه السلام، حاربوه بكل ما لديهم من قوة حسدا من أنفسهم، رغم ما كان في زبور داود عليه السلام من بشارات تنطبق عليه . فمريم عيها رضوان الله من سبط لاوي وبالتالي فالمسيح عليه السلام من هذا السبط فكيف يرضى سبط يهوذا بإنتقال النبوة والرسالة من سبطهم لسبط لاوي، هكذا أوعزت إليهم شياطينهم ولما لم يستطيعوا بكهنتهم التغلب عليه استعانوا عليه بالوثنيين الرومانيين الذين كانوا يحكمون فلسطين آنذاك. وحاولوا قتله ولكن الله تعالى أيده بنصره.

واستجاب للمسيح عليه السلام أغلب بني إسرائيل فآمنوا برسالته، ولم يرفضه إلا سبط يهوذا .وقد قال فيهم عليه السلام فيما رواه العهد الجديد " يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين .. هو ذا بيتكم يترك لكم خرابا ".

في غمرة الصراع

 وبرسالة المسيح عليه السلام ، ووجود هاتين العقيدتين (اليهودية والنصرانية ) في بني إسرائيل، نسوا أنسابهم في غمرة صراع العقيدتين .

هذا وقد تعرض بنو إسرائيل للشتات مرتين إحداهما قبل رسالة المسيح والأخرى بعدها على أرجح الأقوال فانتشروا في البلاد المجاورة لفلسطين، ومنهم من أقام هناك ، ومنهم من رجع وقد كان الشتات الثاني لليهود فقط. وقد بشر اليهود بعقيدتهم في غربتهم القاطنين معهم فاتبعه بعضهم ، وكان من هؤلاء الساميون والحاميون بل والآريون. أي أن هناك يهودا ليسوا من بني إسرائيل ولا حتى من الجنس السامي وهناك يهود عرب ولكن من غير بني إسرائيل (نسل قبيلة سبأ ) وأحسبهم قبيلة حمير التي كانت في اليمن أيام بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم).

أما الذين آمنوا برسالة المسيح عليه السلام وهم غالبية بني إسرائيل آنذاك حق الإيمان بما فيها التبشير برسالة النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم انتشروا في جميع بلدان الشرق الأوسط وهاجر بعضهم إلى الصحراء العربية انتظارا لإرساله صلى الله عليه وسلم .. وخلال القرون الأولى بدأ بولس وتابعه بعض النصارى في تبشير الأمم بعقيدة مخففة نوعا عن التي طالب بها المسيح عليه السلام بني إسرائيل . ففي سفر أعمال الرسل 21 على لسان مشايخ النصارى :" وقد أخبروا عنك أنك تعلم جميع اليهود الذين بين الأمم الإرتداد عن موسى قائلا أن لا يختنوا أولادهم ولا يسلكوا حسب العوائد فافعل هذا الذي نقول لك . فيعلم الجميع أن ليس شئ مما أخبروا عنك بل تسلك أنت أيضا حافظا للناموس.وأما الذين آمنوا من الأمم فأرسلنا نحن إليهم وحكمنا أن لا يحفظوا شيئا مثل هذا سوى أن يحافظوا على أنفسهم مما ذبح للأصنام ومن الدم والمخنوق والزنا " وقد كان الخطاب موجها لبولس. أي خفف عنهم نسك الختان(الطهارة ). وبذلك دخل في النصرانية جمع غفير من أجناس أخرى غير الجنس السامي . بل إن بني إسرائيل المقيمون في بلاد الشام سموا روما.

الغالبية العظمى من بني إسرائيل دخلوا الإسلام :

وعند بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان النصارى خاصة الذين آمنوا برسالة المسيح كما أنزلها الله تعالى ( وهم إذ ذاك غالبية بني إسرائيل ) خير المؤيدين له في دعوته ، وخير الناصرين له على المشركين من بني قريش، ودخل أغلبهم في دينه طواعية . وبذلك أصبحت الأغلبية العظمى من بني إسرائيل مسلمين.

وقد أمن برسالة النبي صلى الله عليه وسلم أغلب الشعب العربي بما فيهم بني إسماعيل وبني إسرائيل بل وأغلب الجنس السامي وأغلب الجنس الحامي وجزء يسير من الجنس الآري .

أما اليهود ، وهم الذين كفروا برسالة المسيح عليه السلام فقد كانوا حربا على النبي صلى الله عليه وسلم يعاهدونه ويخونونه ، وينتصرون لأعدائه عليه فشردهم الله في الأرض كلها.

ويتضح مما سبق أن الغالبية العظمي من بني إسرائيل الآن مسلمون (نسل يعقوب عليه السلام) وانتهى عصر القبائل نهائيا برسالة النبي صلى الله عليه وسلم إذ تألفت بالإسلام قلوب المسلمين، مهما كان جنسهم أو قبيلتهم أو سبطهم. وبدأت نشأة الجنسيات في القرون الوسطى لتحل محل الأجناس وتكونت البلدان وأصبح لها حدود تشمل داخلها أجناسا مختلفة وعقائد مختلفة ..

دعوى باطلة

وفي القرن العشرين بدأ اليهود ، يشيعون أنهم هم وحدهم بنو إسرائيل. وشايعهم في ذلك النصارى الأميون ويذكرون لهم من جمل العهد القديم ما يشير إلى إختيارهم (بينما هي فترة معينة) ويذكروهم بما أسموه أرض الميعاد فأعانوهم حتى استوطنوا في فلسطين ثم في سنة 1949 م نشأت الجنسية الإسرائيلية. ونشأت تسمية الإسرائيليين لتعبر عن مواطني هذا البلد، إذا فالإسرائيليون هم مواطنوا دولة إسرائيل . أما بني إسرائيل فالمقصود بهم نسل يعقوب عليه السلام.

النتيجة :

ونعيد التساؤل هل الإسرائليون هم بنو إسرائيل ؟ والإجابة الآن بالطبع لا .

فالإسرائيليون يهود منهم من هو من بني إسرائيل ومنهم أجناس أخرى واليهود من بني إسرائيل لا يكونون أكثر من عشر بني إسرائيل وغالبيتهم من سبط يهوذا ، أما باقي بي إسرائيل فهم غالبية مسلمة وقلة من النصارى .

لقد قال اليهود للناس أن هناك أرضا للميعاد وأنها لهم. هل هناك أرض للميعاد؟ ولمن هي؟ والإجابة على السؤال الأول نعم لقد كتب الله في كتابه العزيز " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون" والمراد بالأرض في هذه الآية فعلا فلسطين. ولكن لمن؟ لعباده الصالحون. فهل اليهود هم عباد الله الصالحون؟ والإجابة بالطبع لا .

هل يريد اليهود بعث القبلية بعد أن انتهت واستراحت منها البشرية منذ أكثر من ألف وثلاثمائة عام. أم أنهم ذوي فضل بسبب انتساب أغلبهم ليعقوب عليه السلام؟ إذا كان هذا سبب فضل لهم فإنهم يشاركهم فيه أغلب سكان المنطقة العربية.. فجلهم من نسل إبراهيم عيه السلام.كما يشاركهم فيه جميع البشر، فكل البشر  أولاد لآدم عليه السلام وهو نبي، وكل البشر المعاصرين من نسل نوح عليه السلام وهو أيضا نبي. ولكن هل الإنتساب للأنبياء يعطي فضلا؟ والإجابة التي يؤكدها القرآن الكريم بل وكتاب اليهود أنفسهم لا.

لقد كان بنو إسرائيل شعبا مختارا عندما كاونوا يعبدون الله لا يشركون به شيئا ولكن اليهود الآن حتى إن كانوا من نسل يعقوب عليه السلام يدعون عزير ابن الله، وسبحان الله ما له من ولد سبحانه فهم اليوم مشركون.وإن ما ذكر في القرآن الكريم أو في مزامير داود ، أو في العهد الجديد من لعنة لليهود تجزم أنهم ليسوا عباده الصالحين.

بل سيرث الأرض المباركة (فلسطين ) عباد الله الصالحون، قبل يوم القيامة حيث سيهجمون على اليهود ويدوسون أورشليم (اليهود الآن كما فهمنا من قبل ) كما ورد تفصيل ذلك في أنجيل لوقا " ومتى رأيتم أورشليم محاطة بجيوش فحينئذ اعلموا أنه قد اقترب خرابها لأن هذه أيام إنتقام ليتم كل ما هو مكتوب وويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيام لأنه يكون ضيق عظيم على الأرض وسخط على هذا الشعب ويقعون بفم السيف ويسبون إلى جميع الأمم وتكون أورشليم مدوسة من الأمم حتى تكمل أزمنة الأمم . وتكون علامات في الشمس والقمر  والنجوم . قوات السماوات تتزعزع هكذا أنتم أيضا متى رأيتم هذه الأشياء صائرة فاعلموا أن ملكوت الله قريب". هذا هو وضع اليهود الذين جمعوا أنفسهم في فلسطين والذين يسمون الآن الإسرائيليين، قرب يوم القيامة . ولكن يوم القيامة لا يعلمه إلا الله اختص نفسه بعلمه . وستكون فلسطين عندها ملكا لعباده الصالحين سواء كانوا من نسل إسماعيل أم من نسل يعقوب عليهما السلام، سواء كانوا من نسل سام أو حام أو يافث، ومن هذه البقعة المباركة سيحكمون العالم سواء كانوا يسمون مسلمين أو مسيحييين أو يهودا فلا يعلم عباد الله الصالحين فعلا إلا الله، لأن المعيار الحقيقي لعبادة الله في القلب وهو ما لا يعلمه إلا الله .

 

السابق