نشرت بصفحة قضايا وآراء بتاريخ 17/3 /2000

 

                                     بسم الله الرحمن الرحيم

                                  لماذا  القدس للمسلمين ؟

تمثل القدس (أورشليم ) قيمة دينية عالية لكل من اليهود والمسيحيين والمسلمين . فهي للمسلمين أولى القبلتين وثاني الحرمين ، وهي الأرض التي قال الله تعالى عنها " ونجيناه ولوطا إلىالأرض التي باركنا فيها للعالمين" (الأنبياء :71 ) وهي المكان الذي أم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنبياء الله في صلاة ليلة عرج به ( أصعد ) إلى جنة المأوى ، وهي البلدة التي أهبط إليها آدم عليه السلام أبو جميع البشر . وهي البلدة التي عاش بها وبشر فيها كثير من أنبياء الله الذين يؤمنون بهم والذين وردت أسماؤهم في كتابهم القرآن الكريم أو من أشير إليهم بلفظ الأسباط في كتاب الله . وهي البلدة التي أعلن فيها المسيح عليه السلام دعوته لله ونبذه للأصنام وأعلن سخطه على النفاق والمنافقين ولعن فيها الذين كفروا من بني إسرائيل . وفيها واحد من ثلاث مساجد لا يشد الرحال إلا إليها ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" لا تشد الرحال إلا لثلاث " المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا ". فمسجدها يسبق في الحديث النبوي مسجد المدينة المنورة .وأخيرا وليس آخرا فإنها ضمن البلاد التي حررها الإسلام من إحتلال الرومان لها بعد عدة  قرون والذين كانوا يفرضون معتقداتهم الدينية على أهلها ( وهم من بني إسرائيل )فانضموا طوعا للإسلام ، فهي لبعض المسلمين دارهم ودار أجدادهم لعديد من القرون.

وهي للمسيحيين البلدة التي أعلن فيها المسيح دعوته جهارا من على منبر الهيكل موبخا الكتبة والفريسيين (رجال الدين اليهود) على نفاقهم وعلى إستعمالهم الدين للتكسب ، وعلى تحميلهم بني إسرائيل بأعمال يأباها دين الله بما فيه من يسر ورحمة بالمؤمنين به .وهم إتباعا للمؤرخين يقولون أن بها قبر المسيح وطريق الآلام ( الطريق الذي سار فيه حسب إعتقادهم حاملا صليبه ومتلقيا الإهانات والضرب من الجند الرومان من حيث قبض عليه، بإيعاز من الكهنة بتهمة أنه يرغب في الملك على إسرائيل ، وحتى المكان الذي صلب فيه ) وفيها الكثير من الأماكن التي يقدسونها . والمؤرخين في هذا يخالفون نصوصا واضحة في أناجيل المسيحيين الأربعة (متى ومرقس ولوقا ويوحنا ) إذ تجمع أنه دفن في قبر جديد ليوسف الذي من الرامة لقربه من مكان الصلب فمن المنطقي على ذلك أن يكون الصلب قد حدث في الرامة (رام الله حاليا ) إذ أن أحدا لا يبني مقبرته بعيدا عن داره.

أما لليهود فإنهم ينظرون إليها على أنها عاصمة ملك داوود (عليه السلام ) . وفترة حكمه هو وسليمان عليهما السلام هي الفترة الوحيدة في التاريخ التي نعم فيها بنو إسرائيل بالأمن والإستقرار أما ما عداها فقد كتب عليهم فيها بذنوبهم الإستعباد . وكانت تقطن معهم في الأرض ذاتها قبائل شتى سامريون وكنعانيون في قري منفصلة .

وأورشليم أيضا هي المكان الذي بنى فيها سليمان (عليه السلام ) الهيكل وقد أطنبوا في مدحه وزينوه خير زينة. وهم يقدسونه اكثر مما يقدسون الله .وقد دمر هذا الهيكل مرتين مرة قبل إرسال المسيح عليه السلام ثم أعيد بناؤه في عصر عزرا ( عزير ) فاعتبروه ابنا لله ، ودمر مرة أخرى بعد المسيح عليه السلام وكما تنبأ بذلك .وهم يعتقدون أن المسيح  لم يأت بعد وعندما يجيء (هم يعتبرون المسيح عليه السلام مرتدا عن اليهودية ومدعي نبوة ) سيعيد بناء الهيكل ويعيد الأسباط العشرة الضالةـ نسل يعقوب عليه السلام من أولاده الإثنى عشر فيما عدا نسل ابنيه يهوذا ولاوي ـ  إلى حظيرة الإيمان .وهم يقولون إعتمادا على نص في كتابهم " أورشليم عاصمة أبدية  لإسرائيل". ونتساءل هل المقصود في هذا النص المدينة التي تقع على التلال السبعة ؟والإجابة بالنفي .فمن الواضح أنها لم تكن عاصمة لإسرائيل إلا لفترة محدودة جدا في التاريخ فهى لا يمكن أن تكون أبدية كما يقول النص. فالمعنى الحقيقي لهذا النص إنما يشير إلى مدينة السلام ( الجنة ) والتي وعد بها عباد الله المؤمنين خالدين فيها ،حيث المعنى الحرفي لإسرائيل عباد الله ( يرادف المقطع  إسرا كلمة عبد حيث تساوي  كلمة أسير ويعني المقطع  إيل الله) .

كذا فإننا إذا لاحظنا العلاقات المتبادلة بين  أصحاب هذه العقائد الثلاث فإننا نجد أن اليهود يظنون أنهم شعب الله المختار ، وأن من عداهم جويم أي لا يفقهون شيئا ـ حيث تعادل كلمة عجم في العربية ـ وأنهم أشبه بالحيوانات وأن من قتل منهم غير يهودي  فقد قرب قربانا لله ( هكذا ورد في التلمود والذين يدينون به أكثر مما يدينون بكتب الأنبياء ) ويجوز سرقة غير اليهودي كما يجوز الإحتيال عليه . ولم يكن شعب الله يوما حكرا على سلالة دون سلالة بل للذين يعبدونه لا يشركون به ، ونقتبس مما ورد في سفر التكوين 17 الفقرات التالية التي يخاطب الله فيها إبراهيم (عليه السلام )" أنا الله القدير اسلك أمامي وكن كاملا .فاجعل عهدي بيني وبينك وأكثّرك جدا جدا ..لأكون لك إلها ولنسلك من بعدك ..وأنت فاحفظ عهدي أنت ونسلك من بعدك مدى أجيالهم .. فتختنون القلفة من أبدانكم .. ويكون ذلك علامة عهد بيني وبينكم ... يختن كل ذكر منكم .. المولود في منازلكم  والمشترى بفضةمن كل غريب ليس من نسلكم .. وأي أقلف من الذكور .. تقطع تلك النفس من شعبها إذ نقض عهدي " وقد كان هذا العهد قبل ميلاد إسحاق عليه السلام ، ويفهم منه بوضوح أن العهد اشترط الكمال في إبراهيم ليتم العهد ، ووجود شروط ليصبح الشخص من شعب الله أن يتخذ الله القدير له إلها وأن يختتن سواء كان من نسل إبراهيم أو الغريب  ( المشترى  بفضة هنا ). كذا في حزقيال 14 : 7،8 " فإنه أي رجل من آل إسرائيل ومن الغرباء الدخلاء فيما بين إسرائيل ارتد عن إتباعي ونصب أصنامه في قلبه ووضع معثرة إثمه تجاه وجهه ...أجعل وجهي ضد ذلك الإنسان وأجعله آية ومثلا وأقطعه من بين شعبي " أي أن من صنع هذه المنهيات قطع من شعب الله ولو كان من آل إسرائيل ومن لم يصنعها ظل في شعب الله حتى لو كان من الغرباء الدخلاء .

ولو فرضنا جدلا أن هذه الوعود لشعب إسرائيل فهل اليهود هم شعب إسرائيل (حسب تسمية العهد القديم له أو بني إسرائيل كما أسماهم القرآن الكريم )؟حقا إنه في أيام موسى عليه السلام أطلق على قبيلة  إسرائيل اليهود بعد أن هادوا (أي عادوا ) لدين الله بعد أن عبدوا عجل السامري ؛ ولكن لقد دخل في اليهودية أناس من غير بني إسرائيل ففي عهد موسى عليه السلام آمن به سحرة فرعون ورجل من آل فرعون فنسلهم يهود من غير بني إسرائيل وفي عصر سليمان عليه السلام انضم لليهودية ملكة سبأ وقومها فنسلهم يهود من غير بني إسرائيل وفي القرون الأخيرة قبل ميلاد المسيح بشّر اليهود في شتاتهم الأمميون من الجنس الآري خاصة في اليونان والإمبراطورية الرومانية وأسبانيا ..." لأن موسى منذ الأجيال القديمة له في كل مدينة من ينادي به في المجامع إذ يتلى في كل سبت  "(أعمال الرسل 15 :21)  وتوضح رسائل بولس الأماكن التي كان بها جاليات يهودية كبيرة .فهم ونسلهم يهود من غير بني إسرائيل .وإذا لاحظنا ما يقولونه "عودة الأسباط العشرة الضالة " ألا يعني هذا إقرارهم بأنهم لا يمثلون إلا جزءا يسيرا من شعب إسرائيل (سدس الأسباط الإثنى عشر) وإن كانت الحقيقة أن اليهود من بني إسرائيل حاليا هم غالبية سبط واحد هو سبط يهوذا بدليل تركز لعنة المسيح عليه السلام على أورشليم (مقر إقامة سبط يهوذا آنذاك ) في قوله " يا أورشليم  يل أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين .."( لوقا 13 :34) ولو أراد لعنة سبط لاوي أيضا باعتبارهم كفارا لقال " يا أيتها اليهودية " حيث كانت اليهودية مقرا لإقامة سبطي لاوي ويهوذا .أي أن غالب الظن أن الأحد عشر سبطا  قد  آمنوا بالمسيح عليه السلام ولم يتخلف عن الإيمان به سوى سبط يهوذا .وقد آمن أغلبهم بالاسلام فالمناطق التي تركزوا فيها العراق والشام ومصر كلها دخل غالبية أهلها في الإسلام طواعية . وعليه فيهود اليوم ليسوا إلا سبط يهوذا على شيء من التقريب مع خليط من أجناس أخر .ونقاء العنصر اليهودي رابع المستحيلات إن لم يكن أولها . خاصة إذا لاحظنا شيوع الزنى فيهم واعتبارهم الزنى مع غير يهودي حلالا .

أما عن المسيحيين فهم يعتبرون أنفسهم الوحيدين على الإيمان الصحيح  أما عن علاقتهم بغيرهم فهناك إختلاف كبير بين طوائفهم فى علاقتهم بمن يختلفون عنهم في العقيدة ليس هنا مجال إطنابها .

أما المسلمين فيحكم علاقتهم بغيرهم القرآن الكريم ويفصل كل حالة على حدة وكيفية التفاعل معها .فمن الآيات ما يتحدث عن أهل الكتاب وهم كل اليهود والمسيحيين مهما كانت عقائدهم فيأمرنا " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون"(العنكبوت : 46 ) ويلاحظ الحكم  العام والإستثناء .

وهناك آيات تتحدث عن الذين أوتوا الكتاب وآيات تتحدث عن الذين أوتوا نصيبا من الكتاب .وهناك آيات تتحدث عن اليهود وأخرى تتحدث عن النصارى . وهناك آيات تتحدث عن بني إسرائيل ومنهم يهود ونصارى عندما أنزل القرآن ومنهم من تحول إلى الإسلام .وتشمل كل آية توصيفا دقيقا والحكم الخاص بها . ويبدو واضحا أن هناك تباينا داخل  كل طائفة. أي أن كل إنسان محاسب على عمله هو وليس على طائفته من ذلك قوله تعالى "ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا* ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا "(النساء :123 ،124) وقوله تعالى "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ”(البقرة : 62 ).وتوضح الآيات شروط بلوغ هذه المنزلة دون ما النظر لمسمى الطائفة .وتكل الآيات الحكم لله إلا ما ظهر للعيان .على أن هناك تفريقا بين الحكم الشرعي وبين التعاملات فبينما يختلف الحكم الشرعي حسب أقوال وأفعال كل إنسان ؛ فإن العدل في المعاملات أساسي مع الجميع حتى مع الظالمين منهم " ومن الذين هادوا ...سماعون للكذب أكّالون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم .. وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين "( المائدة :41 ،42 ) أما الذين لا يعتدون فقد أمرنا أن نبرّهم "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين  "(الممتحنة :8  ) والبر يتعدى العدل إلى الإحسان .

فإذا تجاوزنا النطاق النظري وجدنا كيف كانت معاملة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته من بعده لأهل الكتاب سواء كانوا يهودا أم نصارى . بل وإن المسلمين درجوا على ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد عاش اليهود وليس النصارى فقط ،في البلاد العربية ذات الأغلبية المسلمة معززين مكرمين ولم يحرموا من أي من حقوقهم المدنية ولم يحرموا من أداء المناسك كما إرتضوها لأنفسهم .

فبينما تكفّر الطوائف الأخرى غيرها فإن المسلمين لا يجزمون بكفر أي إنسان إلا إذا أعلن كفره صراحة وجاهد لنشر رأيه . عند ذاك يجب التصدي له .وبينما تكفر الطوائف الأخرى ببعض الأنبياء فإن المسلمين يؤمنون بكل انبياء الله ، وبينما يختلف التعامل مع شخص طبقا لعقيدته كما هو واضح لدي اليهود فإن المعاملات لدى المسلمين لا تختلف مهما كانت عقيدة من يتعاملون معه .

لذا فإن إعادة القدس إلى سيطرة المسلمين هو الطريق الوحيد لأن ينعم أتباع الديانات الثلاث بالأمان عند زيارتهم للقدس بما فيها من تراث.

                                                      

 

السابق