نشرت بجريدة الأهرام صفحة الثقافة

بسم الله الرحمن الرحيم

القرآن والإجتهاد

الإحتهاد هنا يعني بذل الجهد للوصول إلى نظريات تفيد المجتمع . ولما كان المجتمع المصري مجتمع متدين بطبيعته ـ وإن أسبغت عليه مخالطته للمجتمعات الأخرى مظاهر بعيدة عن طابعه المتدين ـ فإن أغلب الإجتهادات النابعة من الشعب المصري هي إجتهادات دينية . وتنطلق الإجتهادات من طبقة عريضة من الشعب المصري فمنهم المتخصص في أمور الدين ومنهم عامة الشعب وخاصتهم .

ومما لا شك فيه أن القرآن أنزل لكافة العالمين منذ تنزيله وإلي يوم القيامة. وقد أودع الله فيه ما يتناسب مع التباين الحضاري لشعوب العالم من ناحية ، والنمو الحضاري عبر الزمن منذ تنزيله وحتى يوم القيامة من ناحية أخرى . كما أودع الله فيه التشريع الذي يناسب كل العقول السوية. وسيبقى التشريع كما هو ولا يصح الإجتهاد فيه. ولكن مع نمو الحضارة ظهرت معطيات جديدة في الفكر الإنساني لزم البحث عن صحتها ومقارنتها بما أنزله الله تعالى العليم الحكيم لاستبيان مدى الصحة والخطأ فيها.

وقد حرض القرآن الكريم على الإجتهاد والتفكير في أمور الدين بل وفي أمور الدنيا أيضا. وأمر به عامة المسلمين بل عامة البشر ووعد الله تعالى المجتهدين بخير الجزاء يقول الله تعالى "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله مع المحسنين" .

ولهذا وكتحريض أخر على الإجتهاد يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من إجتهد فأخطأ فله أجر ومن إجتهد فأصاب فله أجران ". فواقع الأمر  أننا نحن البشر معرضون دوما للخطأ فإذا مارسنا الإجتهاد فإن إحتمال الخطأ قائم . وكذلك كلما إجتهدنا قلت معدلات الخطأ في إجتهاداتنا . وينبغي قبل البدء في البحث عن إجتهادات شخصية تعلم الأسس المبينة في كتاب الله وصحيح سنة رسوله. كما أن للإجتهاد آدابه فينبغي على المجتهد أن يدرك ضعفه الإنساني فلا يجزم بما إجتهد فيه ولا يلزم غيره بقبول إجتهاده ، ما لم يكن هناك دليل حتمي على صحته كأن يكون متتبعا لآية من القرآن الكريم . أوحديث صحيح متفق عليه. ولعل أبلغ مثل على الإجتهاد وآدابه ما روى الله تعالى عنه في أول سورة المجادلة، يقول تعالى " قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللآئي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور" ذلك أن إمرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول له أن زوجها ظاهرها (أي قال لها أنت حرام على كظهر أمي، أي هجر فراشها ) فقال لها صلى الله عليه وسلم " أراك قد حرمت عليه " فأعادت شكواها وأعاد صلى الله عليه وسل تفس الإجابة فأنزل الله تعالى الآيات لتضع الأمر في نصابه وتجعل الوزر على زوجها وتنكر الظهار وتذكر عقوبة من يظاهر زوجته. وتبين لنا القصة كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم في القرب الشكلي بين الظهار والطلاق فإنه عندما إجتهد بغير نص مما أوحي إليه من ربه خشي الخطأ فقال "أراك " بما يعني أن ما قاله مجرد رأي ولم يجزم به كما يفعل الذين يجتهدون بغير علم .

ومن بين هذه الإجتهادات وتلك ينتقي ذوو السريرة النقية الإجتهاد الصحيح . فيتمسكون به . يقول الله تعالى " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض".

ولا يخشى على الحق من كترة أعدائه فالكلمة الصادقة تبقى بينما تنمحق الآراء الباطلة مهما أكثر المتشدقون بها من زف الحجج إليها . وحتى لا تتكرر المأساة لا بد من إتاحة فرص الإجتهاد للمجتهدين والسماح لكل ذي رأي بإبدائ رأيه ومن خلال تعارض الآراء تظهر الحقيقة ويسطع نورها.

 

 السابق