قراءات جديدة

إنجيل برنابا

ظهر في الاسواق حديثا طبعة جديدة من إنجيل برنابا قام بتحقيقها سيف الله أحمد فاضل وإنجيل برنابا إنجيل لا يعترف به المسيحيون لما فيه من مخالفة لعقائدهم فهو يعلن على لسان المسيح عليه السلام انه ليس إلها ولا ابن الله ، كما يعلن أن الابن الذي عزم إبراهيم على ذبحه هو إسماعيل وليس إسحاق عليهم السلام ، كما يقول ان ( مسيا ) ليس المسيح بل هو محمد صلى الله عليه وسلم وقد ذكر به اسم النبى صراحة و كثيرا من صفاته ، كما يؤكد أن المسيح لم يصلب بل صلب يهوذا أحد حوارييه بعد أن تحول شكله وصوته بمعجزة إلى شكل المسيح وصوته حتى ظن الجميع أنه هو المسيح عليه السلام . وإن كان المسيحيون يبدون أسبابا أخرى لمنعه و تحريم قراءته. ويعرض الكتاب إنجيل برنابا مشيرا للتشابه بين نصوصه و الكتب العقائدية الإسلامية و اليهودية و المسيحية أو مخالفته لها ويحقق إنجيل برنابا على أساس مطابقته لنصوص موجودة بالكتاب المقدس للمسيحيين و مخالفته في بعض الأحيان لما ورد عن النبى صلى الله وعليه وسلم بل و للقرآن الكريم أحيانا ، مما يؤكد أنه ليس من وضع المسلمين كما يدعى المستشرقون المسيحيون .

كما يعرض لما يمكن ان يسمى الانجيل القرآنى فيستخرج من القرآن الكريم جميع الآيات التى تناولت رسالة المسيح عليه السلام ليصف كيف يفهم المسلمون رسالة المسيح عليه السلام موضحا كيف يرد القرآن الكريم على العقيدة الخاصة بالمسيحيين فيما يختص بالمسيح عليه السلام .

و يعرض الكتاب ايضا للنصارى في القرآن الكريم فيوضح مقالة القرآن الكريم فيهم من جميع زواياها ، فيشرح المذاهب التي كانت موجودة أيام رسول الله و كيف اختلف استقبال المذاهب المختلفة لرسالة النبي فبين مؤيد لها وناكر و معاد لها . و كيف كان رد فعل المسلمون لأفعال وأقوال أهل الكتاب متبعين في ذلك ما ذكره القرآن الكريم . ثم يعرض لمعاملة أهل الكتاب في الدنيا وكيف امر الله بالعدل معهم ، وقتالهم إذا لزم. كما يقدم تعريفا جديدا للأمة الإسلامية .

وفي مقال أسماه ( أهل الكتاب و الجنة ) يثبت ان لأهل الكتاب مكانا في الجنة إن أحسنوا . ويشرح أن الحد الأدنى لدخول الجنة هو الإيمان بالله واليوم الآخر و العمل الصالح ، ثم يقول إن الايمان بالله هو الإيمان بإله واحد لا إله إلا هو لم يلد و لم يولد فرد صمد له الأسماء الحسنى اما الإيمان بالملائكة و الأنبياء و الكتب فهو الطريق للبر أعلى مراتب الإيمان، ولكنه يشترط لدخول الجنة الا يتضمن عدم الايمان بالانبياء بغضا لهم .

ثم يقدم محقق الكتاب مقالة عن ( لا إله الا الله )يوضح فيها رأيه عن سبب اختلاف الرسالات في الوسيلة ، و في المناسك . ثم يعرض لصفات الله جل وعلا كما أوردها القرآن الكريم و العهد القديم و العهد الجديد على أنه يذكر فقط الصفات الحقيقية فيه و ما يوافقها و لا يشير إلى ما في العهد القديم و الجديد من أوصاف خاطئة لله . ثم يورد جملا كتابية يوضح منها أسماء الله الحسنى المشهورة .

ثم يتناول الكتاب اليوم الآخر فيشرحه من القرآن الكريم و من الكتاب المقدس للمسيحيين مثبتا إن اليوم الآخر يبدأ بمجرد الموت ، ويثبت أن هناك عذابا في القبر، ثم يصور قيام الساعة فيصورها على أنها قنبلة ذرية الذرة فيها هي الشمس وكواكبها، والنيوترون الذي سيبدأ التفاعل الذري أحد النجوم التي ذكرها القرآن الكريم .

ثم ينهي الكاتب مقالاته بمقالة يبين فيها رأي الكتب العقائدية في مسألة التخيير والتسيير وقد نشرنا مقالة بقلم المحقق في العدد السابق عن هذه المسألة .

هذا وقد عرض الكاتب في مقالة بنو إسرائيل واليهود لأصل سلالة بني إسرائيل مثبتا أن الذي كان سيذبح هو إسماعيل وليس إسحاق عليهما السلام ،بل إن إسحاق عليه السلام كان جزاء من الله لإبراهيم لتقديم ابنه إسماعيل للذبح. ثم يستعرض تاريخ بني إسرائيل ويعرض رسالة موسى عليه السلام كما أوردها القرآن الكريم.

ثم يوضح أن اليهود حاليا ليسوا إلا جزءا من بنى إسرائيل ، وأن الذين يحتلون فلسطين ليسوا إلا جزءا من سبط يهوذا أحد أسباط بنى إسرائيل الإثنى عشر . ثم يتطرق إلى أرض الميعاد ليقول أنها لعباد الله الصالحين و ليست لليهود و لا هى لبني اسرائيل خاصة . ويقول الكاتب أن المسيح علية السلام عند عودته هو الذي سيقود جيوش المسلمين خاصة أولئك الذين هم من بنى اسرائيل للنصر على اليهود نصرا نهائيا حيث ينقرضون قبل يوم الفيامة "

والكتاب يقع في 454 صفحة من الحجم المتوسط قامت بنشره دار القلم بالكويت مقدمة بذلك منبعا للدراسة لم يتيسر للبحاث منذ حوالي 60 سنة . فأحدث نسخة عربية معروفة لإنجيل برنابا التي ترجمها الدكتور خليل سعادة وهو مؤرخ مارونى لبناني كان يقيم بمصر ، و قام بنشرها السيد محمد رشيد رضا رحمه الله منشئ مجلة المنار ، وصاحب التفسير للقرآن الكريم المسمى تفسير المنار و الذي و افته منيته قبل أن يتمه . و هو علاوة على ذلك كاتب إسلامى معروف . .

وقد تضمن الكتاب مقدمتيهما لإنجيل برنابا . حيث بحثا إنجيل برنابا من الناحية التاريخية . و يعتمد المحقق في تدليله على حقيقة إنجيل برنابا على مطابقته من حيث المبدأ للقرآن الكريم ، وفي مخالفته للقرآن الكريم في بعض الأحداث و جهله بتاريخ رسالة النبي صلى الله عليه وسلم . كما أن كثير من الأحداث التي ذكرها إنجيل برنابا تتفق مع ما أورده كتاب المسيحيين و انه يزيد في الأحداث التي أوردها عن الأحداث التي أوردتها أناجيل المسيحيين حتى عن المسيح عليه السلام مما يؤكد قربه من المسيح عليه السلام . و مطابقته للعقيدة الحقيقية لرسل و أنبياء بنى اسرائيل و التي فشل اليهود رغم محاولتهم المستمرة لتزييف كتب الله في طمسها من كتبهم وكتب غيرهم .

و لكن الكاتب بذلك يثير مسالة الاستشهاد بكتب أهل الكتاب فالبعض يظنون أن الاستشهاد بكتاب يعنى الايمان به ، و قد قال رسول الله صلى الله وعلية و سلم أن علينا فيما يختص بما يذكره القرأن الكريم من أقوالهم ألا نكذبهم  وألا نصدقهم . فإذ ا قالت كتبهم ما يوافق القرآن الكريم فلماذا لا نستشهد بها بل إن هذا يكون أبلغ رد على عقائدهم إذ يدانون بكتابهم هم .

و بالكتاب حشد من الآيات القرآنية يستدل بها المحقق على آرائه و منها ما هو متفق عليه و منها ما لم يقل بها إلا بعض كتاب القرن الحالي فمثلا قوله أن مدلول بني اسرائيل يختلف عن مدلول - اليهود  ـ قال به العقاد في كتابه إبراهيم أبو الأنبياء .

ومما يلفت النظر قلة استشهاد الكتاب بالأحاديث النبوية ، وانعدام استشهاده بالتفاسير حتى بالتي تؤيده في آرائه.

ولنعد إلى إنجيل برنابا فإن أول ذكر له في التاريخ كان في سنة 325 عندما أصدر مجلس كنسي قرارا بمنع تداول النسخ العبرية وإعدام من تكون بحوزته . وفي أواخر القرن الخامس الميلادي أصدر بابا المسيحييين جلاسيوي الأول قرارا بتحريم إنجيل برنابا. واختفى إنجيل برنابا قرونا طويلة ثم عاد للظهور عندما اكتشف إحدى نسخه الإيطالية مستشار ملك بروسيا سنة 1709 وانتقلت من يد إلى يد إلى أن وصلت إلى مكتبة البلاط الملكي في فيينا.

وقد عثر في نفس الوقت تقريبا على نسخة أسبانية من إنجيل برنابا طمست كثير من صفحاتها وعلق عليها المستشرق سايل ثم ترجمها الدكتور منكهوس أحد أعضاء الكلية الملكية بإكسفورد إلى الإنجليزية، وأعطى الأخير الأصل مع الترجمة للدكتور هويت حيث فقدت بعد ذلك.

ولم يبق من أثر لهذه النسخة الأسبانية إلا تلك الكلمات القليلة التي علق بها سايل عليها والتي يؤخذ منها أنها مترجمة عن الإيطالية وأنها تختلف اختلافات يسيرة عن النسخة الإيطالية المنوه عنها آنفا ، وبينما يرى أغلب المستشرقون أن النسخة المترجمة عنها النسخة الأسبانية هي نفسها النسخة التي عثر عليها كرامر ، فإن محقق الطبعة الحديثة يرى أنها مترجمة عن نسخة أخرى .و يستدل على ذلك من أن نسخة كرامر تقل عن النسخة الأسبانية في روايتها لحادثة رفع المسيح عليه السلام مما يجعل الاحتمال الأكبر أن تكون نسخة كرامر هي المنقولة عن النسخة الايطالية التي منها ترجمت النسخة الأسبانية .

وقد أخذت الترجمة الإنجليزية عن النسخة الإيطالية الموجودة في مكتبة البلاط الملكي بفيينا ، حيث ترجمها الأسقف لونسدال راغ و قرينته لورا راغ ومن هذه النسخة جميع النسخ الإنجليزية المشار إليها.

 و قد كان هناك إنجيل يسمى الإنجيل الأوجنستى محا الزمن جل خطوطه ولم يبق منه إلا القليل الذي به لعنة بولس وفي مقدمته وفي نهايته مما يجعل من الممكن أن يكون أصلا لنسخ إنجيل برنابا أو من ضمنها مع تغيير الاسم. كما أنه يؤخذ من كتابات المسيحيين أن هناك انجيلا يسمونه إنجيل متى الكاذب يبشر بما بشر به إنجيل برنابا ، وأن هناك إنجيلا يسمى إنجيل نيقوديموس يبشر بما بشر به إنجيل برنابا ، وقد كان متى من الإثني عشر حواريا الأوائل ثم انضم للمسيح عليه السلام سبعون تلميذا آخرون كان من ضمنهم نيقوديموس . أما بولس فإنه لم  يؤمن بالمسيح عليه السلام حتى رفع بل واضطهد المؤمنين بالمسيح زمنا ليس بقليل ثم قال أنه يؤمن به وبدأ يبشر بتعاليم انتقدتها الكنيسة آنذاك وتمكن من اكتساب شعبية لدى الرومان بابتكار تعاليم توفق بين الكنيسة من ناحية وأعدائها الوثنيين من ناحية أخرى فأعانه الرومان على متبعي المسيح عليه السلام كبرنابا و بطرس ، بل وسب بولس بطرس وبرنابا في رسائله ، هذا مع اتفاق المسيحيون أن بطرس هو أفضل تلاميذ المسيح وتقول دائرة المعارف الفرنسية أن بولس هو كاتب أناجيل المسيحيين الأربعة بصورتها الحالية .

والملاحظ أن نسبة ما كتبه بولس من العهد الجديد أكثر بكثير مما ينسب لتلاميذ المسيح حتى إذا اعتبرنا أنهم هم كاتبو ما نسب إليهم فعلا . فبطرس ينسب له 2 بالمائة ،ويعقوب  4ر1 يالمائة ويهوذا 6 ر0 بالمائة ويوحنا وينسب له إنجيل يوحنا ورسائل ثلاث مجموع نسبها 12 بالمائة ، ومتى ينسب له 12 بالمئة رغم أن هؤلاء من تلاميذ المسيح الإثنى عشر . أما مرقص وهو من ضمن السبعبن الذين انضموا لتلاميذ المسيح فنسبة ما كتبه 7 بالمائة. أما لوقا وقد كان من أصدقاء بولس فينسب إليه إنجيل لوقا وأعمال الرسل ومجموع نسبتيهما 26 بالمائة ، أما بولس بمفرده فينسب إليه 29 بالمائة من العهد الجديد . فإذا بحثنا ما قاله المسيح عليه السلام في العهد الجديد لوجدنا أن نسبته أقل من 20 بالمائة . ولكن هذه النسبة تزيد كثيرا في إنجيل برنابا.

وأخيرا فقد أثبت التاريخ أنه كانت هناك طوائف تؤمن بأن المسيح عليه السلام إنسان كالهيسبيتاريانس وأشخاص ذوي مراكز دينية مسيحية كبول من ساماساتا ، وكلوسيان من أنطاكية وآريوس من ليبيا ونسطور من الأسكندرية ، وغيرهم.وفي أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هناك نصارى موحدون وكانت هناك أناجيل أفرب للمفهوم الإسلامي لرسالة المسيح عليه السلام من أناجيل المسيحيين الحالية إلا أنها لم تحفظ، وإن وردت فقرات منها في التفاسير المختلفة فمثلا تذكر بعض التفاسير أن أحد تلاميذ المسيح عليه السلام قد تطوع ليصلب مكان المسيح وليس كما ورد بإنجيل برنابا ، من أن يهوذا الخائن هو الذي صلب رغما عنه بمعجزة إلهية. هذا ويذكر التاريخ أن هناك طائفة مسيحية كانت تعتقد أن المسيح لم يصلب بل صلب أحد تلاميذه بدلا عنه ـ الباسيليديون ـ.

وعموما فإننا نرى أنه يليق بكل فرد أن يتخير لنفسه العقيدة التي يراها أصوب ، ولكل دارس لعلم الأديان المقارنة أن يطالع هذا الكتاب لما لإنجيل برنابا من أهمية في دراسة هذا العلم .

 

السابق