بسم الله الرحمن الرحيم

نشرت ببريد الأهرام بتاريخ 8/ 4 /2004

 

كيف فهمه معاصروه؟

 

أتساءل أحيانا هل أنزل القرآن الكريم لعصر العلم الذي نعايشه أم لعصور الجهالة التي كانت عامة في وقت نزوله فعلا؟ إن كثيرا من آيات القرآن الكريم يصعب فهمها على ضوء المعرفة التي كانت سائدة عندئذ. من ذلك قوله تعالى " الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون"( يس : 80) . لقد نزل القرآن الكريم في وقت كان أقصى مورد للطاقة معروف للعرب هو حرق الحطب. رغم أنه كانت هناك إشارة في القرآن الكريم أن الزيوت النباتية يمكن استعمالها في الإضاءة بإشعالها، في قوله تعالى " يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار"( النور :35 ) . يرجع اللون الأخضر في النباتات إلى وجود مادة تسمى اليخضور ( الكلوروفيل) ، وتقوم هذه المادة بتحويل الطاقة الضوئية الواردة من الشمس وفي وجود النبات الحي وبعض المكونات البسيطة إلى طاقة كيميائية في صورة مركبات عضوية (كربوهيدرات ودهون وبروتينات ..) ومن هذه المكونات تستمد جميع الكائنات الحيوانية الطاقة اللازمة لحركتها وكل أنشطتها بما فيها الإنسان. ليس هذا فقط بل إن الغابات والتي خلقها الله قبل خلق الإنسان بملايين السنين قامت بخزن الطاقة ثم بعد أن دفنت تحت صخور رسوبية تحولت إلى مواد بترولية وهي التي يعتمد عليها الإنسان في إدارة آلاته صغيرها وكبيرها. أي أن هذه المادة ( الكلوروفيل) مسئولة عن إنتاج ما لا يقل عن 90 بالمائة من الطاقة المستهلكة في جميع أنشطة الإنسان والحيوانات. كم كان فهم الذين عاصروا نزول القرآن الكريم قاصرا لهذه الآية؟ كيف فهم الذين عاصروا نزول القرآن الكريم قوله تعالى في وصف جهنم " فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين" (البقرة: 24 ) في الوقت الذي كان أقصى ما كان يشتعل هو الأخشاب الجافة وربما كان البعض يستعملون الزيوت للإضاءة وربما استعمل البعض الفحم؟ نعلم الآن أن الشمس والنجوم يمكن وصفها بأنها حجارة مشتعلة وتقاس الحرارة فيها بملايين الدرجات المئوية؟ كيف فهم معاصري نزول القرآن الكريم قوله تعالى " خلق السماوات بغير عمد ترونها "(لقمان : 10)؟ فالآية تثبت وجود أعمدة لا ترى. وهي التي نشأت عن الاتزان بين القوة الطاردة المركزية والجاذبية .ثم ألا ترون معي أن قوله تعالى "ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا" (الروم :24 ) تشير بوضوح لفائدة الكهرباء والتي لم تكن معروفة آنذاك ، فقد كان البرق يثير الخوف ولم يكن ليثير الطمع ( فيما عدا أنه كان مقدمة للمطر والذي ينبت الزرع) ، والبرق هو شحنة كهربائية تنطلق من إحدى السحب إلى أخرى أو إلى الأرض فتشعل ما كان منها قابلا للاحتراق؟ ألا تتحدث الآية " هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف " (يونس :22 ) عن قوانين الكتلة والطفو وعن طاقة الرياح؟ كيف فهم معاصري القرآن الكريم قوله تعالى في وصف علامات الساعة"  وإذا البحار سجِّرت" (التكوير: 6 ) ؟ كيف يشتعل الماء؟ ففي هذا اليوم العظيم ستنفلت الأرض من غلافها الجوي كما تنطلق حبة الترمس من غلافها عند الضغط عليها فتتعرض للأشعة الكونية التي تحيل البحار إلى ماء ثقيل يتحول كل جزيء منها إلى قنبلة هيدروجينية. ولكن البعض يدعون أن القرآن الكريم إنما أنزل لعصور ماضية ومن ثم لا يجب إتباع ما فيه الآن!!

 

السابق